اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
بدأت أصوات الرفض لتورط أمريكا في الحرب الأوكرانية تتعالى خاصة في أوساط المؤسسات وأجهزة الاعلام الغربية، والأمريكية تحديدا، وتطالب بوقف هذه الحرب في أسرع وقت ممكن الأمر الذي يذكرنا بنظيراتها اثناء الحرب الامريكية في فيتنام.
مجلة “بوليتيكو” الامريكية تحدثت عن خلافات بين وزارتي الدفاع والخارجية، وأشارت الى “ان الغرب بات يسوده شعور متزايد بأن بلاده خسرت هذه الحرب، وبات يسود الرأي العام الغربي شعورا بالسأم من القتال والنزيف المادي، والبشري بعد إكمال الحرب عاما ونصف العام”.
وذهبت صحيفة “لوموند” الفرنسية من جهتها الى ما هو أبعد من ذلك عندما نشرت مقالا لسيلفي كوفمان رئيس تحريرها السابق يوم امس، حملت فيه الحرب في أوكرانيا مسؤولية انسحاب القوات الفرنسية من النيجر، ونظيرتها الامريكية قبلها من أفغانستان، مما يؤكد تراجع هيبة الغرب، ومصادر قوته، ومكانته العالمية سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا”.
***
ولعل صوت النائبة الامريكية مارغريت تايلور براون المعارض لهذه الحرب (الأوكرانية) هو الأعلى والأكثر تأثيرا عندما قالت “ان المساعدات المالية الامريكية تؤدي الى تمويل “النازية” في أوكرانيا، وينبغي على أعضاء الكونغرس التركيز على أمريكا وليس أوكرانيا، ونحن نرسل الأموال بدلا من مساعدة الأمريكيين، فهناك حوالي 600 ألف متشرد امريكي بلا مأوى حاليا والرقم في تصاعد”.
أوكرانيا تحولت الى معرض عالمي عملاق للأسلحة الأوروبية والأمريكية المعطوبة، فمعظم الدبابات “ليوبارد” الألمانية، “تشالنجر” البريطانية” و”ابرامز” الامريكية، تحولت الى جبال من الخردة بعد تدميرها.
صحيح ان صناعة السلاح في الدول المنتجة له، والأمريكية على وجه الخصوص ازدهرت بفعل الحرب، وهذا ما يفسر الزيادة الكبيرة في حصة أمريكا من الصادرات في هذا المجال على مستوى العالم من 33 بالمئة الى 40 بالمئة منذ بداية الحرب، في حين انخفضت الصادرات الروسية من 22 بالمئة الى 16 بالمئة حسب بيان صادر مؤخرا عن معهد ستوكهولم لأبحات السلام، ولكن هذا لا يعني ان هذا السلاح فعال في ميادين القتال، وانما تنفيذ لأوامر أمريكية بالشراء تلبية لاحتياجات لوبي الشركات المنتجة له.
حجم المساعدات العسكرية والمالية الامريكية لاوكرانيا وصل الى 166 مليار دولار حتى الآن، ومع ذلك لم تُحدث هذه المساعدات اي تغيير في معادلات القوة في جبهات القتال لصالح أوكرانيا، والأخطر من ذلك ان الهجوم الاوكراني المضاد فشل فشلا ذريعا، وتوقف بعد أسبوعين من بدئه، بسبب تصاعد ارقام القتلى في الجيش الاوكراني (70 الف قتيل في اقل من شهر من بدئه) حسب تقرير للصحافي الأمريكي الشهير سيمون هيرش، نقلا عن أجهزة المخابرات الامريكية التي تربطه علاقات مهنية مع قادتها، يقومون بتسريب المعلومات اليه، بسبب معارضة معظمهم لهذه الحرب.
قرار الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى من نوع “اتاكمس”، وقبلها القنابل المنضدة باليورانيوم، والعنقودية، والطائرات المقاتلة من طراز “اف 16” هو دليل على عدم الانتصار في الحرب، ومحاولة يائسة لوقف الخسائر الميدانية في الجيش الاوكراني.
بدء موسم الشتاء الوشيك يجعل الحكومات الأوروبية ترتعش قلقا وتضع يدها على قلبها، لان الجيش الروسي سيهاجم منشآت الطاقة، مثلما فعل في الشتاء الماضي، الامر الذي سيؤدي الى ارتفاع كبير في أسعارها، واغراق الاوكرانيين في العتمة والصقيع.
الرئيس فلاديمير بوتين الذي تتدفق مئات المليارات من الدولارات على خزينته من جراء ارتفاع أسعار الطاقة (أكبر دولة مصدرة للغاز، وثاني اكبر دولة مصدرة للنفط) اصدر امرا بزيادة مخصصات وزارة الدفاع في الميزانية الروسية بنسبة 68 بالمئة ليصل حجمها الى 106 مليار دولار، تأكيدا على توقعاته بزيادة أمد الحرب، واستعداد روسيا لها.
حالة اليأس من الانتصار في الحرب الأوكرانية جعلت الحكومات الغربية تدخل مرحلة من التخبط، الى جانب الشعور بالإحباط، وأحدث الأدلة في هذا الصدد ما كشفته صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير نشرته قبل يومين يفيد بأن حلفاء أوكرانيا اقترحوا شن هجمات صاروخية على مصانع انتاج الطائرات المسيّرة (درونز) في ايران وسورية وروسيا، لتدميرها لانها باتت مصدر إمداد للجيش الروسي، لان ايران خاصة، تحولت الى دولة عظمى في انتاج المسيّرات والصواريخ الدقيقة.
جاء استئناف مجموعة “فاغنر” لأنشطتها العسكرية في أوروبا وافريقيا، ليرش المزيد من الملح على الجرح الأوروبي والامريكي النازف، انعكس هذا الاستئناف في اللقاء الذي جمع قائدها الجديد اندريه تروشيف مع الرئيس بوتين، وتلقيه تعليمات بكيفية إعادة تفعيل عملياتها العسكرية خاصة داخل اوكرانيا، وربما قريبا في بولندا التي أعلن رئيس وزرائها قبل عشرة أيام بأنه لن يزود أوكرانيا وجيشها بأي أسلحة، وسيركز على تسليح جيش بلاده لمواجهة الاخطار القادمة، في إشارة الى مجموعة “فاغنر” التي تحشد مقاتليها بكثافة هذه الأيام على حدوده الشرقية عبر أراضي روسيا البيضاء (يبلاروسيا).
***
الشتاء القارص لن يأتي بالجليد والصقيع فقط، وانما بحدوث انقسامات في المعسكر الغربي، وزيادة الاحتجاجات ضد الحرب الأوكرانية، رسميا وشعبيا، بما يجعلنا لا نستبعد احتمالات الذهاب الى مائدة المفاوضات مع الروس والتوصل الى اتفاق وقف اطلاق النار، والتسليم بمعظم مطالب الرئيس بوتين بعودة الأقاليم الاربعة الى المظلة الروسية، الى جانب شبه جزيرة القرم، اعترافا بالهزيمة وتقليصا للخسائر، وقد حان الوقت للرئيس بوتين ان يمد رجله.. والله اعلم.












Discussion about this post