شبكة أخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
تثبت آلاف الشهادات التي أدلى بها مثقفون وناشطون علويون، في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، وجود حالة من الإرتياح الواضحة لدى هؤلاء، انطلاقا من معطيين اثنين كانا أساسيين في تلك الشهادات:
– الأول: يتمثل في أن النظام كان قد دفع بالعلويين نحو مواجهة أمنية وسياسية وعسكرية كانت أكلافها باهظة.
والثاني: يقول بأن الخروج من تلك المواجهة، أمر لوحده كفيل، بمنح <الطائفة» فرصة لعملية <ترميم» كبرى تطول جوانب حياتها كلها، وهي لا بد ستفضي إلى عودة اندماجها في المجتمع السوري من جديد، خصوصا أن شرائح واسعة من هؤلاء، مما تثبته بعض الشهادات المشار إليها، كانت تقول بأن أولئك <وجدوا أنفسهم محسوبين على سلطة لم يختاروها بمحض إرادتهم>، بل إن سياساتها <لم تكن معبرة في كثير من الأحيان عن آرائهم، ولا عن مصالحهم>.
ولعل السياقات التي سارت الأمور عليها خلال الأشهر الثلاثة الأولى، كانت مشجعة لأصحاب تلك الرؤيا، التي يصح اعتبارها أنها كانت الغالبة في الشارع العلوي في غضون تلك المرحلة، إذ لطالما كان الشعور الجمعي بالأمن، الذي يمثل الأختبار الأكبر لأي عملية من هذا النوع، حاضرا، وهو ما راكمت الأشهر الثلاثة الأولى الكثير من شواهده.
لكن سرعان ما ظهر أن رسوخ ذلك الشعور الجمعي، أمر دونه الكثير من العقبات التي تفرضها حال بلاد عاشت على مدى نحو عقد ونصف، أزمة مركبة بالغة التعقيد، بل إن الكثير من حمولاتها كانت سابقة لاندلاع الأزمة، حتى إذا جاءت أحداث 6 – 9 آذار الفائت، حيث بات واضحا أن <أحلام» الإندماج دونها الكثير مما يعترضها، بل ودونها الكثير من المشاريع التي لا تريد لها أن تصبح واقعا. فالأزمة التي حصدت نحو 2000 ضحية، وفقا لإحصائيات «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فيما أشار ناشطون إلى أرقام هي بأضعاف هذا الرقم، مدعمين إشارتهم بلوائح اسمية لأولئك الضحايا، لم تنقض بانقضاء <جذوتها» التي ظهرت عليها عليها خلال تلك الأيام الثلاثة، ومسلسلا القتل والخطف ما زالا مستمرين حتى اليوم، بل و يرافقهما حملات من التجييش الطائفي لم يكن بالحسبان أن تظهر كل هذا <القيح» الذي أظهرته.
وما زاد في الأمر سوءا هو ذهاب السلطة إلى ما أسمته <إعادة هيكلة المؤسسات»، الذي اقتضى نقل أو تسريح للآلاف من موظفيها، والذي كان أثقل وطأة على العلويين من سواهم، لاعتبارات عدة أبرزها أن التوجه العام لدى هؤلاء كان يقوم على اعتبار الوظيفة، المدنية أو العسكرية، هي ضمانة يجب السعي والحفاظ عليها ما أمكن. ولعل هذا التوجه لم يكن موجودا في طوائف أخرى، وأقله ليس موجودا بالدرجة نفسها التي كانت عند العلويين، مما دفع بالمجتمع العلوي نحو حال من الإنكشاف الأمني والإقتصادي على حد سواء، وكنتيجة بات ذلك المجتمع أشبه بـ<عجينة» تنتظر <الأفران» الراغبة في تصليبها كيفما ومتى تشاء.
في أعقاب تلك الأحداث، راجت مشاريع عدة تقوم على إمكان تغيير موازين القوى في الساحل، لصالح مشاريع مضادة للسلطة الجديدة، والقائمين عليها كانوا جميعا من رموز النظام السابق، ومن خلالها عمل هؤلاء على الترويج لأنفسهم استثمارا في <القوام العجيني» للمجتمع المستهدف. ومع ذلك يمكن القول أن تلك المحاولات باءت جميعها بالفشل، وقد واجهها المجتمع بوعي صلب ومتماسك. لكن ما يمكن الجزم به هو أن تلك المحاولات كانت قد ساعدت في حدوث انقسامات مجتمعية داخل الطائفة، بفعل التأييد الذي حصدته وإن كان هامشيا في غالبه.
ومع تكرار المحاولات كان عديد الإنقسامات يدفع بالمزيد من التشظي، مخلفا لدوائر لا تقاطعات في ما بينها على الأغلب، وليبرز التحدي الأكبر المتمثل بـ<وحدة الصف»، وإن لم يكن، فـ<تلاقي الصفوف» عند أسس تجعل من تحقيق الأهداف أمرا ممكنا. ولعل بروز الدور الذي قام به رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى الشيخ غزال غزال، كان قد جاء في هذا السياق، حيث كشف <الإختبار» الذي مضى إليه، عبر الدعوة إلى تظاهرات عامة يوم 25 تشرين ثاني الماضي، احتجاحا على العنف الذي تعرضت له أحياء علوية في حمص، والطريقة التي جاءت بها تلك التظاهرات، وعن تحول كبير في المزاج العام داخل الطائفة العلوية. ولعل الهدف الأهم لتلك التظاهرات، والذي لم تستطع السلطة تبيانه، أو أنها لم تكن ترغب بذلك، هو أن العلويين أرادوا أن يقولوا أنهم ليسوا امتدادا للسلطة السابقة، بل هم شريحة سورية واسعة تعيد صياغة موقعها من جديد، وترسم لملامح دورها الذي تستحقه في الدولة السورية الجديدة.
نشرت صحيفة» الإيكونوميست» تقريرا مطولا عن حال العلويين، عشية حلول الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد. ووفقا للسرديات والمعطيات التي نشرها، يحمل أهدافا <غير بريئة»، ففي الوقت الذي يذكر فيه التقرير أن <العلويين تحملوا العبء الأكبر من عمليات تسريح الموظفين، وخفض الدعم التي نفذتها الحكومة الجديدة». وفي السياق يقوم التقرير بتسليط الضوء على قول رجل علوي للمجلة بأن العلويين <يشعرون أنهم لم يعودوا ينتمون لما يحدث».
كما يذكر التقرير أن ثمة دعوات <لحمل السلاح>، وأن تلك الدعوات مرتبطة بمحمد جابر (قائد صقور الصحراء سابقا) و كمال الحسن( رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية سابقا) وسهيل الحسن ( قائد الفرقة 25 في الجيش السوري السابق)، لكن تلك الدعوات، يضيف التقرير <لم تلق سوى استجابات قليلة»، وهنا ثمة أمر لا يستوي بين <الشعور بعدم الإنتماء» الذي حاول التقرير تسليط الضوء عليه، وبين <عدم الإستجابة لحمل السلاح». أما التظاهر أو الإحتجاج، فهما لا يعدوان أن يكونا خيارا تكفله القوانين والأنظمة المحلية والدولية، بغية تحقيق مطالب معينة، ومن غير الجائز النظر للقائم بأي منهما من منظار الرافض لت <إنتماءه الوطني».
وعلى المنوال ذاته، أفاد تقرير لـ<رويترز» نشرته قبل أيام، عن وجود تنافس لمقربين من آل الأسد ( اللواء كمال الحسن ورجل الأعمال رامي مخلوف) على «تشكيل ميليشيات في الساحل السوري ولبنان>، وأضاف التقرير الذي قال إنه استند إلى شهادة 48 شخص مطلعين مباشرة على الخطط، بوجود <14 غرفة عمليات بنيت حول الساحل قبل نهاية حكم الأسد»، وأنها تقود الآن <نحو 12 ألف مقاتل في مراحل مختلفة من الجاهزية>.
ولعل من الممكن الوقوف على الأهداف البعيدة التي رمى إليها تقرير<رويترز>، عبر لحظ تركيزه على أماكن تواجد هؤلاء المقاتلين في روسيا ولبنان، حيث من المؤكد أن ذلك سيكون أشبه بورقة ضغط على الإثنين. وفي مقلب آخر، يمكن أن يكون ورقة ضغط على السلطات السورية عبر تصدير مشهد يقول بأن جنين <التمرد المسلح» في الساحل، بات على وشك أن يبصر النور. وفي الحالتين يمكن القول أن الكرة هي الآن في ملعب السلطة السورية: كيف ستتعاطى مع هذا الأمر؟ وكيف ستتم معالجة هكذا <ندبات»، بشكل لا يخلف آثارا على كامل «الجلد»؟
الديار












Discussion about this post