نبيه البرجي
متى كان هناك منطق في سياسات الولايات المتحدة حيال الشرق الأوسط، بل حيال العالم، لكي نسأل “أي منطق لدى ادارة جو بايدن حين تضغط على السعودية للتطبيع مع اسرائيل توازياً مع الضغط عليها للقطيعة مع سوريا ؟” .
نعلم أن اللوبي اليهودي يشترط، لدعم بايدن في معركته الانتخابية الصعبة، عام 2024، “ارغام” الأمير محمد بن سلمان على الانضمام الى “ميثاق ابراهيم”، مع ما لذلك من تداعيات معنوية على المملكة التي تخوض “معركة القرن” من خلال مشاريع بنيوية (ومستقبلية) عملاقة.
موقف الرياض حساس جداً وسط الأعاصير الدولية الراهنة، اذا ما أخذنا بالاعتبار ما يمكن أن يفعله الجنون الأميركي اذا ما مضت المملكة بعيداً في ارساء قواعد استراتيجية متوازنة لعلاقاتها مع القوى العظمى. هذا ما يفسر التعثر الذي حدث في مسار العلاقات مع دمشق. لا خيار أمام الرياض الا أن تتراجع، ولو تكتيكياً أو آنياً، خطوة الى الوراء ريثما يتغير المشهد .
نستذكر زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لدمشق، غداة “اجتماع عمان التشاوري”، من أجل بلورة الخطوات الخاصة بالمعالجة التدريجية للأزمة السورية. في هذا السياق، قال لنا مصدر سوري موثوق به أن الصفدي حمل معه شروطاً “شوي تعجيزية”.
واذا كانت احدى النقاط الأساسية في مقررات الاجتماع العودة الآمنة للاجئين السوريين، كيف بامكان النظام أن يخطو خطوة واحدة في هذه العملية المعقدة، والمكلفة، اذا كان لا يستطيع، بامكاناته المالية المتردية، تأمين الخيم (الخيم فقط) للعائدين، مع العلم أن التنفيذ يستلزم ما بين 6 و 10 مليارات دولار.
هنا المال العصب الرئيسي للتنفيذ. هذا ما يدركه العرب. المشكلة أن بعضهم، وبدفع خارجي، يشترطون احداث تغييرات دراماتيكية في الهيكلية السياسية، والدستورية، والأمنية، للنظام، ما يعني، ضمناً، توقيعه، بالأصابع العشر، على وثيقة وفاته.
في كل الأحوال، ومع الاقرار بأن النظام يعاني من الكثير من الشوائب البنيوية، ما هو النظام البديل في ظل الصراع الدولي (أميركا وروسيا)، وكذلك الصراع الاقليمي (تركيا وايران) على سوريا، ولأغراض جيوسياسية جيوستراتيجية، مركبة، ومتناقضة، قد تقتضي اعادة تفجير الأزمة. أين مصلحة العرب، والسعودية بوجه خاص (لا تسألوا عن مصر)، في تقطيع أوصال سوريا ؟ دول أو دويلات متناثرة تخضع كل منها لطرف من أطراف الصراع .
لا شك أن النظام يحتاج الى بعض التغييرات الجوهرية في المفاهيم، وفي الأساليب، وفي الرؤى، وحتى في نوعية الأشخاص . ولكن هل أن ما يهم تلك الأطراف ـ دون استثناء ـ اقامة نظام ديموقراطي وفق المواصفات الغربية (في غياب أي نظام ديموقراطي على امتداد المنطقة)، أم السيطرة على سوريا بعد تفكيك النظام ؟ ربما بعد تفكيك الدولة أيضاً …
المصدر السوري قال لنا “بعد تعثر المسارات مع الدول العربية، وبعضها يعود الى الخلافات العربية ـ العربية، كانت العودة الى تكثيف العلاقات مع ايران”، مع التأكيد على أن الرئيس بشار الأسد كان، ولا يزال، جدياً الى أبعد الحدود في سياسة مد اليد الى المملكة ليس فقط للمساعدة على انقاذ بلاده من الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، وانما أيضاً لاعادة سوريا الى وضعها، والى دورها، الطبيعي (والتاريخي) في العالم العربي.
هذا يعني أن الأزمة في سوريا تبدو من دون أفق. رجب طيب اردوغان وضع الملف على الرف (الرف الأميركي). الآن، مشكلته في خروج الكرملين من اتفاق تصدير الحبوب من أوكرانيا، ما اعتبره ضربة روسية موجهة اليه تحديداً، بعد مواقفه الأميركية (الأميركية جداً) في فلينيوس (ليتوانيا) . الشرق الأوسط كله وسط الصراع الدولي، بالهزات الارتدادية الغامضة حتى اللحظة، بحيث إن كل حاكم عربي، أو غير عربي، في المنطقة، يعطي الأولوية لحماية رأسه، ولو كان يقف على قرن ثور…
اذا كانت الأزمة السورية قد وضعت على الرف الأميركي دون أفق، ما حال الأزمة اللبنانية في هذه الحال، وهي التي ترتبط بها بشكل من الأشكال؟ على الرف الأميركي الى أن تحين ساعة التسويات، أو ساعة الحرائق !!
Discussion about this post