المهندس باسل قس نصرالله
أتى شهر رمضان في سورية مثل كل سنة، وأكثر الناس قد استُهلكوا، بين حربٍ مجنونة مضت عليها سنوات كثيرة .. وغلاء طحنهم .. وزلازل هزّت كيانهم.
أتى شهر رمضان .. ويصوم الناس، ويتناوبون بين صلاة الفجر وصلاة المغرب.
تَصدح الحناجر بصلواتِ التراويح، لِيدخل شهر رمضان على السوريين بكل أطيافهم.
من قال أن رمضان في سورية هو للمسلمين فقط؟
من قال أن الحالة “الرمضانية” لا تَدخل في حياة السوري .. مسلماً كان أو مسيحياً أو منتمياً لهذا الفسيفساء الشامي؟
وسبق لنا نحن المسيحيون أن دخلنا في الصوم الذي يمتد خمسون يوماً .. وجرَت العادة أن يُهنئ بعضنا البعض فنقول “صومٌ مبارك”.
بين “صومٌ مبارك” للمسيحيين و “مباركة طاعتكم” للمسلمين ونيروز مبارك لإخوتنا الأكراد، يسير الزمن السوري بعقارب قد نالها التعب لكن رائحة “النكهة السورية” تعبق بين “الله أكبر” و “أجراس الكنائس”.
مهما ظَهَرت حالات – هنا وهناك – حول حياة الأقلية المسيحية في بلادٍ غالبية سكانها من المسلمين، فلا يمكن أن تكون عيشاً أخوياً مثل الحالة الشامية والنكهة السورية.
الم يقل الرسول “ص” “لحذيفةَ بنِ اليمانِ ، ومعاذِ بن جبل، وهما يستشيرانه في المنزلِ ، فأومأ إلى الشَّامِ ، ثمَّ سألاه فأومأ إلى الشَّامِ قال: عليكم بالشَّامِ، فإنَّها صفوةُ بلادِ اللهِ يُسكِنُها خيرتَه من خلقِه … فإنَّ اللهَ تكفَّل لي بالشَّامِ وأهلِه”.
أما سار السيد المسيح بين زيتونها وكرمتها في شمال الشام، واغتسل في جنوبها؟
في إحدى المؤتمرات العالمية، أجاب الشيخ أحمد كفتارو مفتي سورية آنذاك عن عدد المسلمين في سورية فأجاب “١٨ مليون” وعن عدد المسيحيين في سورية أنه “١٨ مليون” فأستغرب السائل فقال له الشيخ كفتارو رحمه الله إننا في سورية كلنا مسلمون وكلنا مسيحيون.
هل ننسى فارس بيك الخوري كيف رفعوه على الأكتاف في الجامع الأموي ونادوا “لا إله إلا الله .. فارس الخوري حبيب الله”.
هذه النكهة السورية والشامية غير موجودة بشكلٍ طبيعي في بقية أرجاء العالم، حتى ولو حاولوا أن يصنعوا حالة، فهي صناعة ليست طبيعية مثل “الولادة من الخاصرة”.
رمضان يعيش في سورية، وسورية المزركشة ذات الألوان المبهجة تعيش فيه.
أنا كمسيحي ومثل الكثير من المسيحين يتغيير نمط عيشنا خلال الشهر.
رمضان المسلم وشهر الصوم المسيحي يعيشان في سورية، والكثير من أبنائه يجوبون العالم بحثاً عن مائدة إفطارٍ أو عن أجراس كنائس تُذكِّرهم ببلادهم.
رمضان يأتي وشوارعنا ومنازلنا تنتظر هذا “المسحراتي” الذي سيأتي ليوقظنا من أحلامنا البغيضة فنصحو على أملٍ جديد.
أنا المسيحي في بلادي .. سأسير في حاراتنا وأدقّ على طبلتي الصغيرة لأدعوا الناس ليس إلى السحور فقط .. بل إلى أملٍ جديدٍ بسورية.
صوم وعيد مبارك أيها السوريون المسيحيون
ومباركة طاعتكم ايها السوريون المسلمون
اللهم اشهد اني بلّغت
Discussion about this post