عرضت قناة “روسيا اليوم” الانجليزية أخيرا فيلما وثائقيا قصيرا عن حرب أمريكا علي العراق في مارس / ابريل 2003، وقدمت له بأنه يحوي بعض المشاهد التي قد لا تقوي أعصاب بعض المشاهدين على احتمالها.
الفيلم نكأ الأحزان القديمة، وأجّج عاصفةً من الغضب.
الحديث الجديد عن الجرائم القديمة يؤكد قول الشاعر العربي القديم:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تَخفى على الناس تُعلمِ
برأي د.إسماعيل صبري مقلد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية فإن أهم ما جاء في الفيلم الوثائقي الذي بثته القناة الروسية هو ما يتعلق بمعركة “مطار بغداد” التي جرت فيها إبادة القوات العراقية التي كانت ترابط بالقرب من المطار للدفاع عن بغداد ضد أي غزو أمريكي محتمل، وفجأةً اختفت وتلاشت وكأنّ الأرض انشقت وابتلعتها ولم يعد هناك أثر لها ، وهو ما كان موضع استغراب العالم كله ودهشته.
وأضاف أنه تجمّع من الشواهد ما يدلّ على أن أمريكا استخدمت في معركة “مطار بغداد” سلاح اليورانيوم المنضب ، وهو سلاح اشعاعي مميت يقتل البشر في الحال، مشيراً إلى أنه باستخدامهم لهذا السلاح المحظور من أسلحة الدمار الشامل ، أصبح الطريق أمامهم مفتوحاً إلى بغداد لاحتلالها دون أن يتكبدوا من الخسائر في الأرواح والمعدات ما ظل الرئيس العراقي صدام يتوعدهم به ويحذرهم منه.
وقال إنه لم يرد في باله أنهم سوف يفاجئونه في حربهم معه باستخدامهم لهذا السلاح المدمّر الذي يصعب اقتفاء أي أثر له كغيره من الأسلحة التقليدية.
وقال أستاذ العلوم السياسية إن هذا الفيلم الوثائقي عن هذه الحرب المأساوية ذكّره بما حدث لأحد طلابه من المبعوثين اليمنيين النابهين الذي حضر الي من بغداد قرب نهاية صيف 2003، أي بعد شهرين أو ثلاثة من الحرب علي العراق ، للتسجيل للدكتوراه في العلاقات الدولية معه بجامعة اسيوط، وكان قد حصل علي الماجستير في العلوم السياسية من جامعة بغداد في صيف هذا العام.
وتابع مقلد: “كان ذكيا ولماحا وممتلئا بالحماس والحيوية والنشاط ، وانتهيت معه من الاتفاق علي برنامج دراسته وعلي موضوع رسالته وعلي كل ما يمكن ان يسهل مهمته كباحث حضر الي بمشاعر كبيرة لا أستطيع ان أصفها،
وحكي لي كيف انه عاش فترة الحرب علي اعصابه ، خاصة انه كان يقيم في مسكن بالقرب من مطار بغداد ، وكيف انه افلت من الموت باعجوبة ، ومن هنا كان قراره بالمغادرة والحضور الي مصر لاستكمال دراسته في ظروف انسب لسلامته وسلامة زوجته التي حضرت برفقته لتدرس هي الاخري دكتوراه في المحاسبة بجامعة اسيوط… وفجأة ودون سابق مقدمات بدأت تنتابه اعراض آلام عنيفة في ذراعيه حتي لم يعد قادرا علي تحريكهما ، وذهب الي المستشفي الجامعي باسيوط ووصفوا له بعض المسكنات التي فشلت في تخفيف آلامه التي بدأت تتزايد وتنتشر.. ورحل الي القاهرة لمراجعة كبار الاساتذة المتخصصين، ومنهم اساتذة في امراض الدم ، وبتعرفهم علي خلفية الحالة ومن وجوده في العراق اثناء الحرب ، الخ ، رجّح بعضهم أنه تعرض لتأثير اشعاعي وربما من سلاح اليورانيوم المنضب الذي بدأ الكلام يكثر عن استخدام امريكا له،وفشل العلاج في محاصرة المرض وبدا يصيبه الهزال الشديد ، واضطرت اسرته لنقله الي الصين التماسا لفرصة اخيرة لانقاذه، وهناك ارسل لي بعض معارفه صورة له لم تحتملها اعصابي لبشاعتها، فلم يكن هذا الهيكل العظمي الذي نزل وزنه الي ثلاثين كيلوجراما هو من رأيته عندي في مكتبي قبل بضعة شهور في أسيوط،كان هنا شبحا مخيفا لا عَلاقة له بما كان عليه،وانتقل الي رحاب الله هناك وكم حزنت عليه”.
وقال إن ما جري له ودمره بلا رحمة لا بد أن يكون قد فعل الشيء نفسه مع اعداد لا حصر لها من العراقيين الذين تعرضوا لما تعرض له ، وربما لما هو أكثر وأفظع منه.
واختتم صابا جام لعناته على الحروب العدوانية الظالمة، وكل من يتسببون فيها أو يقفون وراءها في كل زمان ومكان، مترحما على ضحاياها ممن دفعوا حياتهم ثمنا لما لا ذنب لهم فيه.
سلوك معتاد
من جهته قال د. محمود عبد الناصر إن الولايات المتحدة الأمريكية دأبت على هذا السلوك في كل البلاد التي احتلتها، وهو استخدام هذا النوع من الأسلحة الذكية من وجهة نظرهم.
وذكّر عبد الناصر بالشعب الفيتنامي الذي لا يزال يعاني آثار الحرب الأمريكية عليه منذ أكثر من خمسين عاما، مشيرا إلى أن أمريكا استخدمت وقتها العامل البرتقالي orange agent
وهو مزيج من المبيدات العشبية لإبادة الغابات التي كان يختبئ بها الثوار الأفغان، والعامل البرتقالي كان يحتوي على مادة مسرطنة تسمى الدايوكسين Dioxin والتي تسببت ولا تزال تتسبب في أجيال مشوهة من الفيتناميين.
واختتم مؤكدا أن هذا حدث في فيتنام وأفغانستان والعراق ،وفي كل مكان حلت به أو ستحل به أمريكا.
معركة المطار
شهود عيان أكدوا أن معركة المطار فعلا كانت فاصلة في الحرب، حيث استغرب الجميع ما حدث، ظنا منهم أن تواطؤا حدث من أفراد الجيش العراقي.
العقاب
الكثيرون عبروا عن غضبهم من هذه الجريمة النكراء التي مرت، وأفلت المجرمون العتاة من العقاب، وبقي الضحايا وأهاليهم يتجرعون عذابات لا نهاية لها.
– “رأي اليوم” – محمود القيعي:
Discussion about this post