اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.ne
نبيه البرجي
الفيلسوف الفرنسي جاك داريدا سأل، قبل أن يتحول من اليهودية الى الالحاد، “اذا كان الله قد اصطفى بني “اسرائيل”، لماذا عاقبهم بالشتات كل تلك الأزمنة، ولم يمنع تدمير الهيكل الأول بيد نبوخذ نصر البايلي، والهيكل الثاني بيد تيتوس الروماني”؟
السؤال الآخر الذي شغل صاحب النهج التفكيكي في الفلسفة “لكي نعرف مصيرنا، لماذا لم يقل لنا الأنبياء ما كان مصير آدم الذي عوقب بالطرد الى الأرض حين مات؟ هل عاد الى الجنة؟ أم مضت به الملائكة الى مكان آخر”؟
غداة عملية طوفان الأقصى أبدى “الحاخام” مئير مزوز، من اصل تونسي، خشيته أن يكون “يهوه قد عاقبنا لأننا تركناهم (الفلسطينيون) هنا”.
ول ديورانت، مؤلف “قصة الحضارات” قال “غالباً ما كان الأباطرة المجانين وراء اندثار أمبراطورياتهم”، مستدركاً “أن التاريخ يتقيأ الأمبراطوريات مثلما تتقيأ الحيتان الأسماك الميتة” لنتوقف عند اشارة ايتامار بن غفير الى أن “ابدال يهوه باله آخر (أميركا)، يعني أننا ماضون بخطى حثيثة، نحو الهولوكوست الآخر”.
ليس جديداً تداخل اللاهوتي مع السياسي في صياغة مواقف أهل اليمين. “حاخاماتهم” لا يتحدثون فقط عن “دولة يهوه”، وانما عن “أمبراطورية يهوه”، ما أثار ذهول المؤرخ “الاسرائيلي” ايلان بابيه الذي رأى أن “اسرائيل”، باحتلالها آلاف الكيلومترات من بلدان أخرى، تحاول التمثل بدول أوروبية صغيرة مثل بلجيكا وهولندا والبرتغال، التي احتلت ملايين الكيلومترات المربعة في آسيا وفي أفريقيا وفي أميركا، ليعيدها التاريخ عارية من حيث انطلقت. سأل اذا كان مصير “الاسرائيليين” بـ”ادارة تلك الوجوه الخشنة، العودة الى بلدانهم الأصلية”؟
بابيه الذي يحاضر في جامعة اكستر البريطانية، لاحظ التحول الذي يحصل في العديد من وسائل الاعلام الغربية. شخصياً، بين يديّ عدد 25 كانون الثاني من مجلة L OBS الفرنسية التي أسسها الصحافي والمثقف اليهودي الفذ جان دانيال، الرافض لمقولة “شعب الله المختار”، وقد استشهدت بحديث عالمة الاجتماع الفرنسية “الاسرائيلية” ايفا ايللوز عن “الفاشية اليهودية”، كحالة شعبوية تهدد وجود “اسرائيل”، وكذلك برأي البروفسور جدعون راحات من “معهد اسرائيل للديموقراطية” (IDI) من أن تقويض مؤسسسات الدولة من قبل القادة الشعبويين لا يهدد بتقويض الديموقراطية فقط، وانما بتقويض الدولة.
بطبيعة الحال، هناك كتّاب ومفكرون يهود ينظرون الى الفلسطينيين كـ”اشياء بشرية” ليحذروا من الاسلام كظاهرة نازية لا تهدد اليهود فقط، وانما كل أبناء الجنس الأبيض. هذا ما يواجهه بابيه الذي يعتبر أن قادة اليمين حوّلوا الديانة اليهودية الى ايديولوجيا مجنونة، لا بد أن تفسح في المجال أمام ظهور ايديولوجيات مجنونة مقابلة تتحكم بمسار منطقة لطالما عانت من الانفجارات الزلزالية.
لكأن الفيلسوف الأميركي نورمان فنكلشتاين ينطلق من كلام بن غفير، وأيضاً من كلام جاك داريد، ليقول أنه كيهودي لم ير أي دور أو أي ظل “ليهوه” في ما يحصل على الأرض، من يحمي اسرائيل هو “الاله الأميركي”، مشيراً ألى أن الموقع الوحيد الذي يليق بزعيم حزب “العظمة اليهودية” أن يكون حارساً على باب جهنم.
تعليقات غربية كثيرة ترى أن المشكلة التي تعاني منها ادارة جو بايدن ليست في ازاحة تلك الرؤوس الخشبية عن السلطة، وانما في زحزحة الاعصار الايديولوجي الذي يلعب في رؤوس غالبية “الاسرائيليين”.
هذه مشكلة بالغة التعقيد، وتنذر بالكثير من العواقب على المصالح الأميركية في المنطقة، وكذلك على الخطط الأميركية لارساء سلام مستدام، ما دامت أرض الصراعات الكبرى قد انتقلت الى الشرق الأوروبي والشرق الآسيوي.
لعل هذا ما حمل جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، على ابلاغ بعض سفراء الدول العربية الحليفة، بأن بلاده لا تستطيع الا أن تقف الى جانب “اسرائيل” كي لا تذهب في حربها الى ما هو أبعد بكثير.
ألهذه الدرجة تعجز أميركا، التي تمسك بأكثر مفاصل الكرة الأرضية، عن احتواء تلك الثلة من الضباع ومنعها من اللجوء الى الضربات النووية؟ ثمة في داخل الاستبلشمانت من يرى أن هيروشيما اخرى في الشرق الأوسط وحدها تتيح اعادة صياغة الخرائط والمعادلات الاستراتيجية فيه.
التماهي أكثر مما نتصور بين “يهوه” بنيامين نتنياهو و”يهوه” جو بايدن أو… دونالد ترامب!!
Discussion about this post