اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
نبيه البرجي
كم يبدو خيال بعض ساستنا أقرب ما يكون الى خيال الماعز!
ما يتناهى الينا من صراخ ـ مع انتفاخ الأوداج ـ عبر الشاشات، أو على المنابر، نوع من السفسطة اللغوية لا أكثر ولا أقل. من يصنعون الأزمات، منذ الاستقلال والى اليوم، كيف لهم أن يصنعوا الحلول. الايدي الخارجية هي التي تتولى صياغة الحلول، وغالباً حلول آنية وقابلة للعطب. كل ما نفاخر به “الميثاق الوطني” بين بشارة الخوري ورياض الصلح، كصيغة عرجاء بين قيادتين طائفيتين، دون الالتفات الى تلك الفوضى الفسيفسائية التي يتم تكريسها، يوماً بعد يوم، على الحلبة اللبنانية…
لا نتصور أن أياً من المبعوثين العرب، أو الأجانب، يتعامل مع كل ساستنا بجدية. تذكروا كيف كان يهلّ علينا عمرو موسى، بديبلوماسية تحية كاريوكا. آموس هوكشتاين جاءنا زائراً ليطمئن الى أن منصة الغاز الاسرائيلية بأمان، ما دمنا غارقين في صراعاتنا الدونكيشوتية. هل بتلك الجولة بين الصفيحة البعلبكية والفراكة الجنوبية، تبيّن له الخط الأبيض من الخط الأسود على جانبي الخط الأزرق؟
الرجل يدرك مدى خفة مسؤولينا. تريدون مثالاً؟ حين كان محمود حمود وزيراً للخارجية قلت له “يا معالي الوزير لدى بحث مجلس الأمن في ارسال قوات “الأندوف” ( United Nations Disengagement Observer Force) للفصل بين القوات السورية والقوات الاسرائيلية (31 أيار 1974 ) ظهرت، بأبعاد بانورامية، مزارع شبعا اللبنانية على الخارطة التي وزعت آنذاك، وهي تابعة لمرتفعات الجولان. كيف لم يتنبه مندوب لبنان الى ذلك؟
تصوروا أن الوزير الذي لا دخل له بالواقعة أجابني أن الخارطة كانت من الصغر بحيث لم يتنبه أحد الى ذلك.
بالخفة، إن لم يكن بالحماقة، وقعنا اتفاق القاهرة مع ياسر عرفات (1969 )، وهو الاتفاق الذي كان وراء سلسلة مصائبنا. هكذا تعاملنا مع قرار مجلس الأمن رقم 425 الذي يدعو “اسرائيل” للانسحاب من أرضنا. النوم على الحرير الديبلوماسي، دون النظر الى ما حل من ويلات بالأهالي على أيدي الاحتلال.
يوميات ببغائية، لا بل أن بعض ساستنا كانوا يتعاطفون مع سعد حداد، وبعده أنطوان لحد، دون أن نعود أكثر الى تلك التفاصيل المريرة، الى أن تم التحرير بدم أهل الأرض لا بدم من يتوارثون الطرابيش العثمانية!
لطالما فاخرنا بامتلاكنا فائض الخيال. من العتابا والميجانا الى أدونيس وعشتروت. في المسائل الحيوية والاستراتيجية بدا أولياء أمرنا بخيال الماعز الا في نهب المال العام (خيال علي بابا؟). وكان المتصرف واصا باشا يقول “ثلاثة أخطار تهدد لبنان، الطائفية، والسياسة، والماعز، لأنها كلها تأكل الأخضر واليابس”. في أواخر عهده، وقد أكل الأخضر واليابس، أرسى ثقافة الفساد.
ذلك الخيال ـ خيال الماعز ـ الذي يذهب بالبعض الى تصور الحل بمؤتمر تأسيسي يعيد النظر في هيكلية، وفي فلسفة، السلطة، كما لو أن المشكلة ليست في النقص المريع في رجال الدولة، وفي التماهي بين عرابي المافيات وعرابي الطوائف.
الذهاب أيضاً في اتجاه الفديرالية التي تعني نهاية درامية لتجربة التنوع، والتفاعل، في هذه الشرق الذي أصيب بلوثة الايديولوجيات الميتة. حتى أن ألبرت اينشتاين، اليهودي، ندد بمنطق الغيتو، الذي كرسه النص التوراتي ليرى فيه الوجه الآخر للهولوكوست.
أيضاً، أولئك الذين يدورون في حلقة مفرغة، وقد عجزوا حتى عن ادارة الأزمة، يدعون الى استراتيجية دفاعية، كما لو أن الحل ـ الحل البديهي ـ ليس في الدولة القادرة التي تفرض وجودها على المحيط، وعلى العالم، الدولة التي لا تتسول، أو تتسكع، عند أبواب القبائل أو عند أبواب الأمم. الاستراتيجية الدفاعية في المفهوم السياسي اللبناني : السيدة هيفاء وهبي ومشتقاتها!
لندع خيالنا يمضي في سياقه الطبيعي. ذات يوم كتب الشاعر الرائع جوزف حرب “أخشى أن تكون نهاية الخيال في لبنان على عكاز خشبي”. يا صاحبنا، وأنت في المكان الآخر، البلد كله على عكاز خشبي!
Discussion about this post