زياد غصن
وفقاً لما جرى تسريبه من معلومات عن نتائج اللجنة المشتركة، التي جرى تشكيلها مؤخراً من بعض أعضاء مجلس الشعب واللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، والمخالفة دستورياً ومنطقياً، فإن هناك جملة قرارات سوف تصدر قريباً تتضمن تحريراً لأسعار المشتقات النفطية ورفع أسعار الخبز والكهرباء مقابل زيادة على الرواتب والأجور، لم يكشف عن نسبتها إلا أنها ستكون 100% وربما أقل أيضاً.
لكن ما الجديد في ذلك؟
“أثر برس” كان قد نشر قبل الجلسة الاستثنائية لمجلس الشعب تقريراً يتحدث عن توجه حكومي لتحرير سعر مادة البنزين بشكل كامل، ورفع سعر مادة المازوت المخصصة للتدفئة والنقل، وتحرير ما تبقى من استخدامات للمادة، وكذلك رفع سعر الكهرباء مقابل زيادة 100% على الرواتب والأجور، وهي قرارات كان متوقعاً لها أن تصدر قبل عيد الأضحى، لكن ضعف التقييم الحكومي للوضع وتطوراته جعل الحكومة تتمهل في إصدارها فأصبحت الزيادة المقترحة على الرواتب بلا معنى بعد الانخفاض الكبير الذي شهده سعر الصرف، لا بل هي إن صدرت ستكون عبئاً ثقيلاً على عموم السوريين.
إذا ما القيمة المضافة التي تحققت من اجتماعات اللجنة المشتركة المشار إليها ما دامت القرارات التي كانت تستعد الحكومة لإصدارها قبل تشكيل اللجنة بقيت هي نفسها، وربما باتت أسوأ في بعض بنودها كالمقترح الخاص يرفع سعر الخبز؟ وهذا يؤكد التسريبات التي قالت إن الحكومة ذهبت إلى مجلس الشعب لتحظى بتغطية لسياساتها القادمة، والتي ستكون وبالاً على الوضع المعيشي والاقتصادي في البلاد، إذ بحسب ما يؤكد البروفسور إلياس نجمة الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق فإن مبدأ “عمل التضخم هو كالأواني المستطرقة، فما أن يصيب سلعة حتى ترتفع أسعار جميع السلع الأخرى، ولذلك فإن ما يشاع عن نية الحكومة رفع أسعار بعض السلع يعني أن البلاد ستكون مقبلة على موجة كارثية من التضخم، وهي غير مؤهلة للتعامل معها وفق الإمكانيات المتاحة حالياً”.
وفي حديثه لـ “أثر برس” يضيف الدكتور نجمة: “إن تأثر أسعار السلع فيما بينها يجري وفق قاعدة اقتصادية تسمى بـ “أثر الجر”، ومعناها أن ارتفاع سعر سلعة ما سوف يجر معه أسعار جميع السلع الأخرى نحو الارتفاع، وتالياً فإن الحديث عن زيادة الرواتب والأجور لن يكون مجدياً لعدة أسباب أهمها: أن التضخم الحاصل سيكون أكبر بكثير من نسبة الزيادة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هناك شريحة واسعة من المواطنين لن تستفيد من هذه الزيادة لكونها غير موظفة، أو ستضطر إلى رفع تعرفة خدماتها لمسايرة التضخم، لتكون النتيجة أننا أمام تسونامي خطير من التضخم”.
عملياً فإن البلاد ستكون أمام موجتين شديدتين من التضخم ستؤثران بعمق على الإنتاج والاستهلاك معاً:
-الأولى الناجمة عن رفع الحكومة أسعار حوامل الطاقة، وهذه ستكون كافية لرفع سعر حتى الهواء، وعلينا أن نتذكر أن موجة التضخم القاتلة في البلاد بدأت مع رفع حكومة وائل الحلقي سعر ليتر المازوت من حوالي 35 ليرة إلى حوالي 60 ليرة في منتصف العام 2013.
قناعة الحكومة هنا أن تأثير رفع أسعار الطاقة سيكون محدوداً بالنظر إلى أن الفعاليات الاقتصادية تشتري اليوم حوامل الطاقة من السوق السوداء بأسعار أعلى من تلك المقترح تطبيقها، لكن الحكومة بهذا الكلام تدين نفسها بشكل مباشر، فهي في كل مرة ترفع فيها أسعار المشتقات النفطية كانت تعد بتوفيرها، فتكون النتيجة توفرها في السوق السوداء لكن مع زيادة كبيرة على أسعارها.
أما الموجة الثانية من التضخم فهي ستكون بسبب زيادة الرواتب، فالقطاع الخاص الذي سوف يضطر إلى إجراء زيادة مشابهة على رواتب عامليه سيقوم في النهاية بتحميل منتجه النهائي تكاليف تلك الخطوة، أي أن هناك زيادة ثانية على سعر المنتج، لا بل إن بعض الجهات العامة سوف تفعل ذلك أيضاً.
وفي السياق نفسه، فإن زيادة الحكومة لرواتب عامليها هو عبارة إجراء لن يستفيد منه إلا حوالي 36% من عدد العاملين في البلاد، فيما 64% من العاملين في القطاع الخاص سيكونون أمام الخيارات التالية:
-هناك ما يقرب من 1.3 مليون عامل وفق البيانات الرسمية يعملون بأجر لدى القطاع الخاص سيكونون بانتظار قرار صاحب العمل، هل سيقوم بزيادة رواتبهم كما فعلت الحكومة وأياً كانت النسبة أم لا؟
-هناك ما يقرب من 1.5 مليون عامل يعملون لحسابهم الشخصي، وهؤلاء دون شك سيقومون بزيادة أسعار السلع والخدمات التي يقدمونها، ليس فقط نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، وإنما نتيجة لموجة التضخم الجديدة التي سوف تشمل كل شيء بدءاً من إيجارات السكن إلى الدواء، فالنقل وغيرها.
-هناك حوالي 181 ألف هم عبارة عن أصخاب العمل، وهم أيضاً سيقومون وتماشياً مع ما حدث برفع أسعار منتجات مشروعاتهم.
-هناك حوالي 1.362 مليون شخص هم عاطلون عن العمل وفقاً للبيانات الرسمية، وهؤلاء هم من سيدفعون ثمن التضخم الذي سيحصل.
لن نتحدث عن نسبة من سيدخلون في دائرة الفقر المدقع، ونسبة الذين سوف يتنقلون من دائرة الانعدام المتوسط في الأمن الغذائي إلى دائرة الانعدام الشديد، لكننا نود أن نسأل: هل هذه الحكومة قادرة على إدارة تداعيات ما سيحدث من تضخم؟ كما يعتقد الدكتور نجمة فإن هناك عدة عوامل تشكك بقدرة الحكومة على التمكن من إدارة مرحلة ما بعد رفع الأسعار منها: الإمكانيات والموارد محدودة جداً، تأزم الأوضاع الإقليمية والدولية وهو ما ينعكس سلباً على الملف السوري والحل السياسي، والأهم أن هذه الحكومة لا تملك آفق فكرية ومعرفية تمكنها من قراءة المعطيات والتعامل معها على أسس علمية كما فعلت دول كثيرة في أمريكا اللاتينية وآسيا تعرضت لموجات تضخم وتمكنت من مواجهتها.
Discussion about this post