لا شكّ أن روسيا لقّنت العالم درساً بالانقلاب الذي حاولت “فاغنر” أن تحدثه بالداخل، فتلك القوّة العسكرية، التي تم انشاؤها لتستخدم في الحروب خارج روسيا، حاولت أن تغيّر موازين اللعبة، فشكّلت فرصة كبيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عرف جيداً كيف يستفيد منها.
عادةّ تحاول الدول بالحروب أن تخفف من الكلفة البشرية والمادية عليها، وبالتالي تستخدم “المرتزقة” للقتال في الخارج وبعضها تسمى شركات أمنية خاصة، هذا النموذج منها بدأ به الأميركيون، وأشهر تلك الشركات “بلاك ووتر” التي قاتلت في العراق. روسيا استخدمت نموذجا مشابها للأميركيين وأنشأت “الفاغنر”، وهدفها حراسة المقرّات والقتال في الحروب خارج روسيا، كسوريا والسودان وليبيا، ويدفع لها من يستخدمها. في ليبيا مثلاً جماعة “حفتر” هم من دفعوا لـ”الفاغنر”.
أسّس أحد المقربين لبوتين، يفغيني بريغوجين، “الفاغنر”، وقربها من مراكز القرار الروسي جعلها أداة في الحرب، لكن الدولة لا تتحمل مسؤوليتها في الحروب. حاولت هذه المجموعة القيام بانقلاب وفشلت فما كان من رئيسها الا أن أعلن أنه لم يكن يهدف إلى أحداث انقلاب على السلطة، بل كَشف فساد وزارة الدفاع ورئاسة الأركان.
“خطورة ما حاول القيام به قائد “فاغنر” هو أنه حاول التمرد، وأن ينفذ انقلاباً في الداخل الروسي”. هذا ما تؤكده استاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتورة ليلى نقولا، لافتة إلى أنه “بغض النظر عن نظريّات المؤمرات، فيجب أن نتوقف عند النتائج التي أولها ابعاد القوة المذكورة إلى خارج روسيا على حدود بيلاروسيا”.
وتلفت نقولا، في حديث لـ”النشرة”، إلى أن “بيلاروسيا تقع على حدود كييف وبولندا وقوة عسكرية بهذا الحجم، اضافة إلى أن روسيا سلمت بيلاروسيا سلاحا نووياً، باتت تشكل تهديداً لحلف الناتو، وهذا الأمر غيّر كثيراً موازين القوى”، مشيرة إلى أن “النتيجة الأخرى الإيجابيّة، التي حققها بوتين، هي أنه وبعد مرور سنتين تقريبا من القتال في أوكرانيا، أو من هزائم للجيش الروسي، قد يكون هناك خيانات داخليّة، والرئيس الروسي سيستفيد من تمرّد “الفاغنر” ليكشف جميع المتورطين بتلك الخيانات، كما حصل مع الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان بعد الانقلاب الّذي حصل في تركيا عام 2016″.
من جانبه، يرى رئيس المركز الثقافي العربي الروسي الدكتور مسلم شعيتو، في حديث لـ”النشرة”، أن “الفوائد التي حصلت عليها روسيا هي أكثر بكثير من السلبيات، أبرزها أنها اكتشفت من حرّك هذا التمرّد في الداخل الروسي وحتى داخل الفاغنر”، مؤكداً أن “قائدها بريغوجين لا يتحمل مسؤولية هذا الأمر بل بعض عناصر المجموعة، ومحاولة الانقلاب سمحت باكتشاف من هم ومن تعاطف معهم في الداخل الروسي”، مضيفاً: “بوتين أيضاً نجح في ايجاد حلّ سريع ونقل تلك المجموعة إلى بيلاروسيا المحتاجة إلى جنود، خصوصاً وأنها ستلعب دوراً في مساعدة الجيش البيلاروسي، وستكون على احتكاك مع حلف الناتو”.
في الخلاصة هل نجح فعلا بوتين بتحويل الأزمة التي واجهته الى فرصة، عبر ابعاد تلك المجموعة إلى بيلاورسيا بتكوين قوة عسكرية تهدد وتقاتل حلف “الناتو”؟!.
النشرة
Discussion about this post