نبيه البرجي
كيف يمكن لمهمة جان ـ ايف لودريان أن تشق الطريق الى القصر، اذا كانت كاترين كولونا (صحيفة “لوكانار أنشينه” الساخنة تقول كاترين كورونا)، قد أطلقت مواقف ضد سوريا ورئيسها، لم تصدر حتى عن أنتوني بلينكن، ودون أن تتنبه الى ما يحدث بين الرياض ودمشق، وان كان معلوماً أن السياسات الخارجية تصاغ في الاليزيه لا في الكي دورسيه؟
مهما قيل عن الانكفاء السوري في لبنان، بسبب ذلك الركام من المشكلات التي نتجت عن الحرب، لا بد من الأخذ بالاعتبار موقف دمشق من الملف الرئاسي، وان كان السوريون يؤكدون أن الكلمة الفصل في هذه المسألة هي للحليف الأساسي والاستراتيجي حزب الله .
لكن كولونا نفسها أخذت برأي برنار ايميه، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية، والسفير السابق في بيروت، طرح اسم سليمان فرنجيه الحليف التاريخي لدمشق، بعدما أبلغ السعوديون باريس أنهم لا يعارضون انتخاب أي رئيس، على أن يشكل انتخابه مدخلاً لحل الأزمة، لا لادارة فصل آخر من الأزمة، مع اعتبار الموقف المبدئي للأمير محمد بن سلمان والقائل بانتخاب رئيس اصلاحي، وبعيد عن المنظومة السياسية التي كانت وراء الكارثة الراهنة…
على كل جان ـ ايف لودريان في بيروت بتنسيق مع الرياض التي لم تتلفظ بأي اسم، تاركة للديبلوماسية الفرنسية أن تحاول حمل الأفرقاء اللبنانيين على التوافق حول اسم معيّن. حتى الآن الضبابية تكتنف المشهد السياسي، وان تردد وراء الضوء أن تطور العلاقات بين الرياض وطهران من جهة، وبين الرياض ودمشق من جهة أخرى، قد يأتي بمفاجآت مدوية. ماذا اذا اقترب سمير جعجع من طرح حزب الله، وابتعد جبران باسيل أكثر فأكثر عن هذا الطرح؟
ليبقى السؤال هل يمكن للحزب أن يفضل “التقاطع” مع رئيس حزب “القوات اللبنانية”، على “التقاطع” مع رئيس “التيار الوطني الحر”؟ هنا ترتبط اللعبة الداخلية مع اللعبة الخارجية. مثلما تقلصت المسافة بين الرياض ودمشق، وبين الرياض ودمشق، لا بد من تداعيات محورية على القوى اللبنانية، تحديداً ما يتصل بالعلاقات بينها .
مهمة لودريان شاقة ومعقدة بلا شك، خصوصاً وأن الأنظار تتجه الى “تل أبيب”، في ظل تصريحات متوترة لأركان الائتلاف، حول “المأزق الوجودي”، وبعدما ظهر على الأرض أن القوى الفلسطينية في صدد تطوير الآليات الفلسفية والآليات العملانية، لمواجهة الاحتلال، ما يدفع ببنيامين نتنياهو أكثر فاكثر نحو الزاوية.
اللافت حديث الصحافي الأميركي (اليهودي) البارز توماس فريدمان عن “ارتباك حاد” في العلاقات بين “تل أبيب” وواشنطن، التي تحاذر وقوع أي انفجار في الشرق الأوسط لانشغالها في صراعات ذات أبعاد مستقبلية، أن على المستوى الاستراتيجي أو على المستوى القيادي.
المأزق انتقل الى هيئة الأركان “الاسرائيلية” التي ترفض القيام باي خطوة عسكرية دون تغطية، أو دون مشاركة الولايات المتحدة. لكن زعيم “الليكود” يعتبر أن الخيار العسكري وحده يمكن أن يخرج بلاده (أم يخرجه شخصياً؟) من عنق الزجاجة.
الجنرالات يرفضون تفجير الوضع على جانبي الخط الأزرق، ان بسبب القوة الصاروخية الضاربة للمقاومة، أو لأن التفجير هناك يهدد حقول الغاز “الاسرائيلية”، وحيث الرهان على دور اقليمي ودولي بالغ الأهمية.
لا عملية ضد سوريا تحسباً لأي صدام مع الروس، فيما تشير آراء سابقة لأركان اليمين، الى ضرورة احياء مشروع ييغال آلون حول تحويل الأردن الى الوطن البديل!
في رؤوس هؤلاء عملية عسكرية (مجنونة)، تدفع بفلسطينيي الضفة الغربية نحو الضفة الشرقية. هذا ما تعارضه بقوة كل من واشنطن ولندن، لأن عملية كهذه لا تزعزع النظام الأردني فحسب، وانما تزيله من الوجود، ما ينعكس بصورة كارثية على المصالح الغربية في سائر أرجاء المنطقة.
فريدمان لاحظ أن ثمة شعوراً لدى القيادة “الاسرائيلية” بأن التطورات في المنطقة ، تضاف اليها “أجواء انتفاضة فلسطينية عاصفة” ، قد تجاوزتها ما يمكن أن يهدد الأمن الاستراتيجي للدولة، ليختم بالقول… “حتى المجانين لا يفكرون بالضربة العسكرية”!
هذه الأجواء هل تساعد لودريان في مهمته أم تزيدها تعقيداً؟ ليس معروفاً عنه أنه رجل المهمات المستحيلة…
Discussion about this post