نبيه البرجي
لنأخذ علماً بأن السعوديين معنيون، على المستوى الجيوسياسي وعلى المستوى الجيوستراتيجي، بالوضع في سوريا أكثر مما هم معنيون بالوضع في لبنان، الذي لا تحل أزماته من جهة الا بحل أزمات المنطقة، ومن جهة أخرى باصلاحات بنيوية سياسية واقتصادية!
التصدع الراهن في لبنان ليس آنياً، ولا بتأثير حالات طارئة. التركيبة الهجينة للنظام هي التي تنتج ذلك النوع من الساسة، دون أن يكون ممكناً احداث أي تغيير، مهما كان ضئيلاً في الهيكلية الفلسفية للنظام. الطوائف على اختلافها، تعتبر أن أولويتها الاستراتيجية حماية وجودها لا حماية الدولة…
لا امكانية للثورة، ولا للانقلاب العسكري. السعوديون قالوا كلمتهم. برؤوس أصابعهم يتعاملون مع من تلطخت أيديهم. الآن، العين السعودية (بمشاريعها العملاقة) على ايران كدولة مركزية، وكذلك على سوريا التي يحتاج اليها السعوديون كركيزة أساسية في تشكيل حالة عربية يمكنها التعامل، من موقع قوة مع قوى اقليمية أو دولية. من هنا يبدأ… العرب!
العودة السعودية الى سوريا. مراجعة بانورامية في البلاط بيّنت أن التورط في تصنيع، أو في ادارة الأزمة السورية، كان خطأ فادحاً بعدما بدا أن البديل اما سيطرة تركيا بالنظرية النيوعثمانية، وبالأداة النيو انكشارية (الاخوان المسلمون ومشتقاتهم) على السلطة، أو تفكك سوريا الى كيانات تخضع لتلك المجموعات البربرية، التي عاثت خراباً في البلاد على امتداد سنوات الصراع.
الحفاوة السورية باعادة احياء العلاقات الوثيقة مع الرياض في ذروتها. السعوديون الذين كسروا الحصار الأميركي، يعلمون أن ادارة جو بايدن التي غرقت في الحرب الأوكرانية ولمدة طويلة، وحيث المراوحة المدمرة للطرفين، تنظر بتوجس الى ما ينتظرها في الباسيفيك، دون أن تؤثر زيارة أنتوني بلينكن في المسار الاستراتيجي للتنين.
الصين، وبصورة حتمية، تنمو اقتصادياً وعسكريا، دون أن تتوافر الديناميكية اللازمة لوقف تداعيات الصراع حول من يقود الكرة الأرضية في النصف الثاني من القرن. هذا اذا لم تفض حقبة ما بعد التكنولوجيا، الى احداث انقلاب زلزالي في مفاهيم القوة والتفوق والاستقطاب، وحتى في مفاهيم الظاهرة البشرية!
السعوديون يريدون بناء علاقات وثيقة مع سوريا. ما يمكن تأكيده أنهم، بالوئام لا بالصدام، يسعون لانهاء الوجود العسكري التركي (الشديد التعقيد)، والوجود العسكري الايراني (الأقل تعقيداً بكثير) على الأرض السورية، بعدما بات واضحاً أن قصر اليمامة أخذ بتأكيدات طهران حول حدود البرنامج النووي، دون أن تكون هناك أي رغبة في احداث أي اختلال استراتيجي على ضفتي الخليج، كما أن مهمة الترسانة الصاروخية هي حصراً التصدي لأي اعتداء «اسرائيلي» أو أميركي. لا شك أن الحصارالاقتصادي يضغط بقوة على السلطة في سوريا. وهي السلطة التي باتت تحتاج الى خطوات عملانية لمعالجة الأخطاء والثغرات، التي فتحت الباب أمام انفجار عام 2011. وما يمكن تأكيده أن سوريا تتجه نحو مرحلة جديدة، لا الموقف التركي ولا الموقف القطري سيبقيان على ما هو عليه. المنطقة تتغير، ويفترض بالقوى كافة أن تدرك ذلك.
واذا كان معلوماً أن من يمسكون بالعملية الديبلوماسية في دمشق أثبتوا كفاءاتهم حيال سلسلة طويلة من الاختبارات الصعبة، يبدو أن هناك من يريد للاعلام، كأداة بالغة الحيوية، ألاّ يتفاعل مع الوقائع الجديدة.
أين هي وزارة الاعلام، وأين هي الصحف التي يفترض أن تخلع الثوب الخشبي، لترقى على الأقل، الى مستوى الدراما السورية، وقد لاحظنا كيف تتصدى وبكل جراة، الى مسائل حساسة (تورط نافذين، بمن فيهم نافذون أمنيون وسياسيون في الفساد، القمع العشوائي من قبل بعض الأجهزة، استشراء المافيات).
على طاولة الرئيس بشار الأسد خيارات عدة لاعادة النظر في طريقة التعاطي مع ملفات محورية. مَن انتصر على قتلة الخارج بامكانه القضاء على قتلة الداخل.
في الرياض يلاحظون وجود أكثر من رابط بين الأزمة في لبنان والأزمة في سوريا، كذلك بين الحل في لبنان والحل في سوريا. البلدان، وبعيداً عن مرارات وأهوال تجربة عنجر على الطريق…
Discussion about this post