تعيش جبهات ريف حلب الشمالية حالة من الهدوء التام منذ نحو ثلاثة أسابيع، لم تُسجل فصائل أنقرة فيها أي تحركات جديدة في المحاور كافة الممتدة من منطقة عفرين غرباً إلى منطقة جرابلس أقصى الجهة الشرقية.
ولعل الهدوء الحالي السائد في شمالي حلب، يعد الأول من نوعه منذ سنوات عدة مضت، لناحية المدة الزمنية الطويلة التي لا تشهد فيها الجبهات أي تحركات أو حتى اعتداءات من فصائل أنقرة، باتجاه القرى والبلدات الموجودة جنوبي منطقتي عفرين وأعزاز، وسط انكفاء تام لتلك الفصائل ضمن مناطق سيطرتها.
وربطت مصادر محلية من منطقة أعزاز لـ”أثر”، مسألة الهدوء السائد راهناً في الشمال، مع المعطيات والمتغيرات التي أخذت وتيرة متسارعة مؤخراً تجاه الدولة السورية، سواء لناحية عودتها إلى شغل مقعدها في جامعة الدول العربية، أم لناحية التغير الواضح في السياسات التركية، والتي باتت تتركز نحو تحقيق التقارب مع سوريا.
ونقلت المصادر عن أشخاص مقربين من قياديين عدة في فصائل مختلفة، أن قياديي فصائل أنقرة استشعروا خطراً كبيراً مما يجري حالياً في الساحة الدولية، ودخلوا في دوامة المستقبل المجهول الذي قد يهدد وجودهم في الشمال، حيث أبدى أولئك القياديون قلقهم وخوفهم الشديدين مما يجري، واستياءهم في الوقت ذاته من المواقف الدولية “المتخاذلة” تجاههم، بحسب وصفهم.
وفي ظل تلك المعطيات، تركز فصائل أنقرة على نقطتين رئيسيتين، بحسب ما أكدته مصادر متطابقة لـ “أثر” من منطقتي عفرين وأعزاز، الأولى: تأجيج الرأي العام ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتهم ودفع الأهالي إلى درجة الإكراه، للخروج بمظاهرات شبه يومية رفضاً للمواقف الدولية الجديدة، الأمر الذي شهدته بالفعل مناطق عفرين وأعزاز والباب في الأسبوعين الماضيين.
أما النقطة الثانية التي حازت النصيب الأكبر فعلياً من تركيز قياديي الفصائل، فتركزت على جمع أكبر قدر ممكن من الأموال بمختلف الطرق، التي جاءت تجارة المخدرات في مقدمتها، حيث شهدت مناطق ريف حلب الشمالي في الأسابيع الماضية، نشاطاً كثيفاً في عمليات تهريب المخدرات سواء من وإلى تركيا، أم مع مناطق سيطرة “قسد” في الشرق.
وتسبب ذلك النشاط الكبير في عمليات تهريب المخدرات، بخلافات وانقسامات كبيرة بين قياديي الفصائل، وصلت إلى حد الاشتباك في مناسبات عدة، نتيجة التضارب في خطوط التهريب ودخول فصائل في مناطق نفوذ الأخرى، حيث كانت منطقة أعزاز شاهدة قبل نحو ثلاثة أيام على أعنف تلك الاشتباكات التي جرت قرب قرية سجو بين فصائل عدة، بفعل خلاف مرتبط بالسيطرة على أحد طرق التهريب الرئيسية نحو مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية- قسد”.
وبالتوازي مع تهريب المخدرات، يعتمد قياديو الفصائل أيضاً سرقة وتهريب الآثار، حيث شهدت منطقة عفرين في الآونة الأخيرة، تكثيفاً غير مسبوق لعمليات سرقة وتجريف التلال الأثرية تجريفاً شبه يومي من قياديي الفصائل، وسرقة محتوياتها وبيعها لتجار الآثار الأتراك.
وأفادت مصادر محلية من عفرين لـ “أثر” أن ثمانية مواقع أثرية على الأقل، تعرضت مؤخراً لعمليات التجريف والتنقيب الجائرة عن الآثار، في مقدمتها تلال “قسطل مقداد” و”عبيدان” و”كوفيجه”، ومحيط موقع “النبي هوري”، مؤكدة أن الفصائل المنفذة للعمليات وفي مقدمتها فصيلا “جيش الإسلام” و”فيلق الشام”، استخرجت كميات كبيرة من المصوغات الذهبية واللقى الأثرية، التي تم نقلها مباشرة نحو تركيا، ومن دون انتظار تجميعها في المقرات العسكرية التابعة للفصائل وفق ما جرت عليه العادة سابقاً.
وتشير التوقعات إلى أن الهدوء الحالي السائد في شمالي حلب، قد يستمر مطولاً في المدى القريب، في ظل انشغال قياديي الفصائل بجمع الأموال ومراقبة التطورات الدولية تجاه سوريا، يضاف إليها الاهتمام الكبير الذي توليه الفصائل لمجريات الانتخابات الرئاسية التركية وما ستؤول إليه نتائجها.
Discussion about this post