نبيه البرجي
لا نتصور أن السفير وليد البخاري يمكن أن يزور، أو يستقبل، وتحت الأضواء الكثيفة، كل هذه المرجعيات، أو كل هؤلاء الساسة، لو لم تكن ساعة القصر قد دقت. الاسم بات معروفاً اذا ما دققنا في المواصفات التي حددتها المملكة، لتبقى مسألة تأمين نصاب الثلثين التي تنتهي بانتخاب الرئيس العتيد.
ما بات مؤكداً أن السعوديين تشاوروا مع الأميركيين حول الاسم (شكلاً مع الفرنسيين). واذ ينسقون مع القطريين، فالثابت أن ثمة تفاهماً بينهم وبين كل من دمشق وطهران. العاصمتان توليان اهتماماً استثنائياً للعلاقات مع الرياض، لتبدو العملية الديبلوماسية وقد اخذت منحى عكسياً. بدلاً من انتظار التسوية في اليمن، والتي تستغرق وقتأ بسبب التضاريس القبلية، والمناطقية، والسياسية، البداية من لبنان، وقد تمر بسوريا وبالعراق، وهي في طريقها الى جنوب الجزيرة…
هذا ليس تصوراً، بالمعنى التقني للكلمة. ما يتسرب من معلومات لدى احدى المرجعيات يشي بأن لبنان في اتجاه صفقة شاملة (Package Deal ) تشمل التوافق على رئيس الحكومة، كما على القوى المشاركة فيها.
واذا كانت “القوات اللبنانية” لا تستطيع الا أن تأخذ برأي المملكة، تظل العقدة الوحيدة في النائب جبران باسيل، وان كانت هناك جهات خارجية وداخلية على السواء ترى ابقاءه، وفريقه، خارج ملكوت السلطة.
رئيس بعيد عن منظومة الفساد. هنا المفارقة العجيبة في لبنان. غالبية النواب الذين سيضعون أوراقهم في الصندوقة الزجاجية ينتمون الى هذه المنظومة.
باشارة من الاصبع الملكية، أو من الاصبع الأميرية ـ دون اغفال الأصابع الأخرى ـ تتحول الحالة الفسيفسائية في البرلمان، وبكل تناقضاتها، الى حالة أوركسترالية لتضع اسماً واحداً هبط من أعلى. لا رئيس صناعة لبنانية. مهمة اللبنانيين الاخراج الشكلي للسيناريو الانتخابي. التقاطع بين هز البطن وهز الرأس على المسرح اللبناني.
لا شك أن واقعاً جديداً نشأ في المنطقة عقب اتفاق بكين بين السعودية وايران. حدث محوري أن نرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في دمشق، وأن نرى الرئيس السوري بشار الأسد في الرياض. وحين سألنا أحد الوزراء “متى سنراكم في عاصمة الأمويين؟”، رد ضاحكاً “ناطرين التيكيت من سعادة السفيرة”!
لكن السعوديين الذين أخذوا بمبدأ العلاقات المتوازنة مع سائر القوى العظمى، كسروا الحصار على سوريا، دون أن يعنيهم قانون قيصر الذي لم يكتف بالحصار الاقتصادي بل أضاف اليه الحصار السياسي.
اذا فتحت المملكة أبوابها أمام لبنان، ماذا تقدم لنا واشنطن سوى الفتات؟ هذا مع اقتناعنا بأن الأميركيين الذين يعنيهم الهدوء في الشرق الأوسط لانهماكهم في صراعات مصيرية في مناطق أخرى، هم بحاجة الى لبنان لا العكس. كيف؟ اسألوا الصواريخ…
السفيرتان الأميركية دوروثي شيا، والفرنسية آن غريو، غائبتان عن الشاشات. الكاميرات تلاحق فقط السفير البخاري. المعلومات تؤكد أنه قطع شوطاً في مهمته الخاصة بتأمين النصاب. هل بات الدخان الأبيض بات وشيكاً؟ بعض الساسة مازالوا عند تشاؤمهم. “المشهد لا يزال ضبابياً، ولا نستطيع أن نذهب بعيداٌ في التفاؤل. والأفضل، انتظار ما تحمله قمة الرياض…”.
ما يلفت الأنظار، ويجعلنا، كلبنانيين تماهينا مع ثقافة العتابا والميجانا، نشعر بالمهانة، طريقة تعامل بعض الوزراء، وبعض النواب، مع السفير السعودي الذي يعلم، ويعلم أركان السلطة في بلاده، أن بين ساستنا من احترفوا الشعوذة بكل وجوهها، اما من أجل الكرسي الثالثة، أومن أجل الحقيبة الوزارية، ناهيك عن أي حقيبة أخرى.
هل يدري هؤلاء كيف ينظر السعوديون ـ سعوديو هذه الأيام لا سعوديو الأيام الغابرة ـ الى من يتملق ببغائياً، والى من يتمرغ، دون الحد الأدنى من الخجل، بين العباءات؟
أيها السادة، ان السعوديين يريدون، الى جانبهم، رجالاً بقامات مرتفعة، لا رجالاً يحنون ظهورهم كما لو أنهم ينتظرون ضربات الجلاد. السفير ليس جلاداً…
لقد خلقوا هكذا، وترعرعوا هكذا. لن يتغيروا. ولن نتغير…
Discussion about this post