نتفاءل بالتصريحات التي نسمعها خلال زيارات الوفود الاقتصادية الإيرانية إلى سورية، لكننا لانلمس أي أثار إيجابية لها إلا في حدود ضيقة جدا، وخاصة في قطاعي المحروقات والكهرباء.
وعندما يعلن وزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهردار بزر باش أن (العلاقات الإيرانية السورية تحتاج إلى اتخاذ قرارات كبرى) فإن هذه الصراحة والمكاشفة تدفعنا للسؤال: ماالقطب المخفية التي تمنع أو تعرقل تفعيل العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية لتصل إلى مستوى ماهي عليه العلاقات السياسية، بل والإستراتيجية؟
والإجابة على السؤال من قبل الجهات الحكومية في كل من إيران وسورية سيكشف لنا أسباب عدم تنفيذ الإتفاقيات المشتركة والتي من شأنها مساعدة السوريين في التخفيف من الأثار الكارثية للعقوبات المفروضة عليهم من الغرب المتوحش.
وبما أن الزيارات المتبادلة بين البلدين لم تتوقف خلال سنوات الحرب الإرهابية العالمية على سورية، بل زادت وتيرتها مقارنة بالعقود الماضية، فمن حق السوريين معرفة القطب المخفية التي تحول دون ترجمة الإتفاقيات الاقتصادية والتجارية إلى مشاريع إستثمارية وإلى تزويد سورية بما تحتاجه من محروقات، وبتأهيل محطات التوليد، وإقامة محطات جديدة تزيد من ساعات الوصل الكهربائي، وصولا إلى إلغائها!
والمسألة لاتتعلق بالمحروقات والكهرباء فقط، وإنما بزيادة المبادلات التجارية بين البلدين، وهذا لم يحصل، فالقيمة الحالية للميزان التجاري السوري الإيراني أقل من المستوى العادي، ولا تعكس على الإطلاق مستوى العلاقات السياسية، بل التحالف الإستراتيجي بين البلدين.
لا أزال أتذكر الحوار الذي أجريته مع سفير إيران السابق في دمشق المهندس حسين شيخ الإسلام بتاريخ 2/9/2001 أي منذ أكثر من 21 عاما، وما طرحه السفير أنذاك لايزال يتكرر في كل الإجتماعات والإتفاقيات، دون أن يترجم على أرض الواقع، وما من جهة تكشف لنا منذ ذلك التاريخ عن القطب المخفية المستمرة منذ عقود، وتمنع وصول العلاقات الاقتصادية السورية الإيرانية إلى مستوى التحالف الإستراتيجي بين البلدين!
ترى هل هناك قوى إقتصادية وتجارية نافذة جدا ستضرر من أي تطور بين البلدين، وقوية إلى درجة انها لاتزال في موقع المعطّل والمعرّقل؟
لقد أكد السفير السابق منذ عام 2001 إلى أن إيران ترغب بإقامة مشاريع مشتركة لتصنيع السلع التي تستوردها سورية أو يمكن أن تستوردها من إيران، ودعا القطاع الخاص السوري للإستفادة من إمكانيات إيران الصناعية والتكنولوجيا، لأن إيران دولة صناعية متقدمة يمكنها أن تساعد بتحديث الاقتصاد السوري.
والملفت أن وفودا من رجال الأعمال الإيرانيين اجتمعوا على مدى العقدين الماضيين على الأقل، مع نظرائهم في كل من دمشق وحلب وحمص، فماذا كانت الحصيلة؟
لو استندنا إلى التصريحات الإعلامية والوعود المتبادلة بين الجانبين، لكانت العلاقات الاقتصادية لاتقل عمقا وجدية عن العلاقات الاقتصادية، لكن على أرض الواقع لاتزال الإتفاقيات بمعظمها ليست أكثر من حبر على ورق، يتكرر الحديث عن ضرورة تنفيذها وتفعيلها مع كل زيارة لوفد إيراني إلى دمشق، أو وفد سوري إلى إيران، مايدفنا لتكرار السؤال: ماالقطب المخفية التي تمنع تفعيل العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية؟
منذ عام 2000 وإيران تعرب عن استعدادها لإقامة مشاريع ضخمة في سورية تكون مركزا إقليميا للتصدير إلى الدول العربية، فلماذا لم يترجم رجال المال والأعمال هذه الرغبة إلى واقع على مدى العقدين الماضيين؟
والأمر لايقتصر على القطاع الخاص فقط، فالجهات الحكومية أيضا مقصرة جدا بتفعيل التعاون مع نظيرتها الإيرانية، وكأنّ هناك قطبا مخفية تمنع أي تعاون إقتصادي وتجاري وتكنولوجي بينها، مايؤكد إن المتضررين ليسوا قلة فقط، وإنما هم قلة نافذة ومتنفذة لاتزال تراهن على مصالحها المالية فقط، بل ربما لاتزال تراهن على عودة العلاقات الاقتصادية مع الغرب أيضا!!
ونلفت نظر المهتمين إلى أن الخطوط الإئتمانية الإيرانية التي قيل الكثير حول التقصير بالإستفادة منها أو تجميدها لأسباب غير معلنة، ليست جديدة بل تعود إلى بدايات هذا القرن ، وكان الخط الإئتماني المفتتح في عام 2000 بقيمة 140 مليون دولار لمصلحة القطاع الحاص السوري الذي لم يستفد منه بتمويل التجارة بين البلدين، تماما كما حصل مع الخطوط الإئتمانية الأخيرة في سنوات الحرب على سورية.
وهاهو وزيرالطرق وبناء المدن الإيراني مهرداد بزر باش يعلن من دمشق عن تشكيل ثماني لجان تخصصية بين البلدين مختصة بالمصارف والشؤون المالية والتأمين، والنفط، والنقل، و بالشؤون الزراعية ما وراء الحدود، وبالشؤون السياحية وخاصة السياحة الدينية.
وعندما يكشف الوزير الإيراني انه تم التأكيد خلال اجتماعه مع وزير الاقتصاد السوري على القرار الصارم للجانبين لترجمة الاتفاقيات على أرض الواقع، فهذا يؤكد أن الإتفاقيات السابقة واجهتها قطب مخفية منعت تنفيذها، والسؤال: هل قررت سورية وإيران إزالة هذه القطب مهما كانت القوى التي تختفي وراءها؟
الخلاصة: بما أن الوزير الإيراني كشف ان المحادثات مع الجانب السوري ركزت على موضوع الكهرباء (باعتباره حاجة ماسة بالنسبة للشعب السوري في كل المحافظات)،فإن تنفيذ ماوعد به الوزير بأنه (سيتم بأقرب وقت ممكن تلبية حاجات سورية بالنسبة للطاقات الكهربائية) .. سيكون الترجمة الفعلية لاجتثاث القطب المخفية التي تمنع السوريين من الإستفادة من الإتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
علي عبود ـ غلوبال
Discussion about this post