نبيه البرجي
لماذا يحبنا الفرنسيون؟ حتى في الأدب انتهى الزمن الرومانسي، كيف الحال بالسياسة التي قامت منذ آلاف السنين على لعبة المصالح (وعلى صراع المصالح) ؟ لم يعد أحد يكترث باللورد بايرون أو بغوته وشيلر وهوغو . العيون مشرعة على ما تقوله الأسواق، وما يقوله جورج سوروس الذي كتب في احدى تغريداته «حين أتنقل في وول ستريت، كما لو أنني أتنقل في الجنة»!
لا شك أن ثمة علاقة ثقافية تربطنا بفرنسا . ولطالما تعقبنا الوجوه الكبيرة في الحي اللاتيني، الذي يبدو الآن وكأنه تحول الى «مأوى للعجزة». مجلة «لير» كتبت عن» زمننا الآخر . جوني هاليداي محل جان بول سارتر» ؟
أي مصلحة لفرنسا في لبنان؟ الأميركيون أقفلوا في وجهها أبواب الخليج، وها هم يطاردونها في شوارع القارة السمراء. لبنان بديناميكية أهله، قد يكون بوابة فرنسا الى الشرق الأوسط، وان فاجأتنا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا بأنها تحاول أن تكون، على غرار بريطانيا، قهرمانة أميركية …
هل نتوقف عند صرخة ايمانويل ماكرون في الصين؟ الأميركيون سخروا منه. قناة «فوكس نيوز» وصفته بـ «الديك الصيني». من يريد أن يواجه التسونامي الأميركي يفترض أن يكون بمواصفات الذئاب.
مثلما الفرنسيون بحاجة الينا، نحن بحاجة أكثر اليهم . حاولوا أن يفتحوا أمامنا أبواب قصر اليمامة، ليتبين أن فرنسا ماكرون ليست فرنسا بونابرت، ولا فرنسا كليمنصو وديغول. بالكاد تستطيع أن تجد لها «مرقد عنزة» في الخليج . هذا زمن أميركا. وهذا زمن الصين التي دخلت من أعلى الأبواب. الباب السعودي ـ الايراني
حتماً، الأميركيون لا يعنيهم مسيحيو لبنان. هم مستعدون لترحيلهم حتى الى ألاسكا اذا اقتضت مصلحتهم ذلك، وان كانت السفيرة دوروثي شيا تقرّ بـ «التميّز اللبناني»، ولكن ليس بنماذج من أمثال فؤاد عجمي ووليد فارس وطوم حرب .
المسيحيون يعنون الفرنسيين . الملك لويس التاسع (القديس) وصف الموارنة بـ «فرنسيي الشرق». لكن السفيرة آن غريو تضطر أحياناً لاستخدام الأنكليزية. الفرنسية تراجعت في لبنان، كما في أمكنة أخرى. لم يكن هذا أيام آرمان دوشايلا، ولا أيام لوي لامار. الوجه الثقافي في لبنان تغيّر كثيراً، وان لم نجد رئيساً أميركياً يزور لبنان. ولكن ثمة منزلاً في بيروت كان يقطن فيه شارل ديغول، ولطالما فاجأنا جاك شيراك أو ايمانويل ماكرون، وهما يحطان في بيروت عند أي حدث جلل…
الآن، الفرنسيون يتحدثون بيأس عن «أزمة المسيحيين في لبنان»، بل عن «أزمة العلاقات بين القادة المسيحيين في لبنان» . السبب اللوثة الهيستيرية للسلطة.
«الفيغارو» لاحظت أن النزاع بين هؤلاء القادة وراء الفراغ الكارثي في الهيكلية الدستورية للدولة. العين على رئاسة الجمهورية التي لم تعد، كما في ظل الدستور الذي صيغ أثناء الانتداب الفرنسي . صلاحيات ملتبسة ومقيّدة، حلت محل الصلاحيات الملكية. على صاحب الفخامة أن «يكافح» لتكون له ثلة من الوزراء داخل الحكومة ..
الفرنسيون باتوا على قناعة بأنهم يدورون في حلقة مفرغة. رؤوس اللبنانيين في مكان آخر. القادة المسيحيون يدركون ذلك . تعاملهم مع غريو يختلف عن تعاملهم مع شيا. الأهم أنه يختلف كثيراً وكثيراً جداً، عن تعاملهم مع السفير وليد البخاري..
معلومات باريس تقول ان الكي دورسيه (مقر وزارة الخارجية) اتصل بالمسؤول عن العلاقات الدولية في الفاتيكان رئيس الأساقفة بيار ريتشارد غالاغر للتعاون على حل النزاع بين القوى المسيحية، بعدما أخفق البطريرك الراعي في جمعهم تحت سقف واحد . لكن تقارير القاصد الرسولي سيزار ايسانيان لا تشجّع على أي خطوة.
من زمان قلنا ان الحل يبدأ من جبال مران في صعدة ليتدحرج نحو ضفاف المتوسط . ولقد بدأ تفكيك التضاريس اليمنية . ولكن ألا تبدو التضاريس اللبنانية (بوجه خاص التضاريس المسيحية) أكثر تعقيداً، وهي التي تعرقل الوصول الى الصفقة الشاملة Package Deal، مع أن السعوديين يرون أن مستقبل لبنان لا يمكن أن يكون بالمنظومة الحالية، أو بالمعادلة الحالية.
لا بد من زلزال يزيل الجميع. اي حل وأي رئيس سيكون انتقالياً. فقط لوقف الضربات على الرأس..
Discussion about this post