شكّلت زيارة وزير الخارجيَّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى سوريا قبل يومين، منعطفاً بارزاً على صعيد المنطقة، فالدلالات التي تتجلّى عبر التقارب العلني بين الرياض ودمشق تؤكّد أنَّ هناك مرحلة جديدة تُمهد لإستقرارٍ طويل الأمد في المنطقة، أي أنّ “الصراعات” باتت تضيق وبالتالي ستكون سوريا محوراً جديداً لتشابك مصالح إستراتيجية، وأبرزها على الصعيد الأمنيّ
في الواقع، فإنّ الزيارة اللافتة التي شهدتها دمشق لا يمكن فصلها بتاتاً عن المسار الذي تسيرُ عليه الرياض بشأن علاقتها المتقدمة مع إيران، وبشكلٍ أكيد فإنّ الأخيرة ستُبارك أي خطوة عربيّة تجاه سوريا نظراً لدورها المحوري في المنطقة. وهنا، فإنّ الإستفادة التي تجنيها طهران من أي انفتاح عربي على دمشق ستؤسس لإنكسار في الجانب الإسرائيليّ من جهة، وتراجع في الجانب الأميركي من جهةٍ أخرى.. فكيف ذلك؟
بشكلٍ أو بآخر، قد تكون ما فعلته السعودية مع سوريا بمثابة عنوانٍ يؤكد أن الأخيرة لن تكون محوراً لحرب بعد الآن، وبالتالي فإنّ دمشق لن تكونَ أداةً بعد الآن لتنفيذ مشاريع دوليّة. اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، باتت سوريا ملتقى عربياً يسعى الكثيرون للمضي إليه، ما يعني أنّ “كلمتها” على الساحة العربية ستعود وهذا الأمر يقلق “إسرائيل” ويطوّق نفوذ أميركا أيضاً.
خلال السنوات الماضية، تمادت تل أبيب كثيراً في إستهدافِ سوريا نظراً لعدم “إحتضانها” عربياً. أما اليوم، فإن دمشق باتت أقوى بكثير، ما يعني أنّ أي خطةٍ إسرائيلية لضرب سوريا ستواجه بـ”تأهّب” عربيّ، فإضعاف “الشام” وتكريس رضوخها لشروط تل أبيب بات من الماضي. وعليه، فإنّ التراجع داخل تل أبيب سيبدأ من هنا، فسوريا “لم تعُد” وحيدة ، والدلائل على ذلك ستتوالى تباعاً حينما يعود العرب بقوّة إلى دمشق، وحينما تعود الأخيرة إلى جامعة الدول العربيّة بغطاء سعودي بالدّرجة الأولى.
ما يهمّ أيضاً في المعادلة الحاليّة أنّ سوريا قد تتحرّر من القبضة الأميركية تباعاً، فـ”قانون قيصر” الذي يطوقها قد يذهب نحو الإنكسار تباعاً طالما أراد العرب إنفتاحها عليهم. هنا، فإنّ ما سيجري لن يكون سهلاً على واشنطن التي راهنت على بقاء سوريا وحيدةً في محيطها العربي.
والسؤال الذي سيُطرح: في حال أرادت السعودية التعامل مع دمشق اقتصادياً وأمنياً وسياسياً.. هل ستمنعها أميركا؟ وهل سيتم تطبيق بنود قانون قانون قيصر على الرياض؟ بالطبع لا، فإذا حصل ذلك يعني دخول دول الخليج بأزمة مع الولايات المتحدة، أي خسارة المنطقة بشكلٍ كامل.. فهل سترضى واشنطن بذلك لصالح إيران؟ حُكماً لن يكون ذلك فالمصلحة الأميركية في الخليج كبيرة، والإنزواء بعيداً سيعني خسارة كل شيء.
ووسط كل ذلك، فإنّ الإحتضان العربي المُستجد سيعني خروج سوريا من كنف العقوبات، فـ”ظهرها” محميٌّ تماماً بدول عربيّة باتت واثقة أنّ لدمشق مكانةً محوريّة في العالم العربي. أما في ما خصّ إيران، فإنَّ اعتمادها على سوريا لتنفيذ أجنداتها العسكريّة قد يكونُ “مضبوطاً” بعض الشيء.. فاليوم، تحتاجُ سوريا إلى الإستقرار، ما يعني أنّ دورها على صعيد أي جبهةٍ عسكريّة ضد “إسرائيل” سيكون في الكواليس كما الماضي وليس في الخطوط الأماميّة.
في خلاصة القول، ما يُمكن التوصل إليه هو أمرٌ واحد: الطريق من سوريا إلى العرب بات مُعبّداً، فالألغام ستُزال حُكماً طالما أنّ هناك حشداً سعودياً لذلك. أما الأهم فإنّ ما يجري من تطوّرات يؤكد حُكماً أن رؤية المملكة هي تحصين العالم العربي من التدهور وإخراجه رويداً رويداً من المستنقعات التي فُرضت عليه خلال السنوات الماضية. هذا ما تدركه سوريا اليوم بقوة، وتسعى للإستفادة منه قبل أيّ دولة أخرى.
لبنان 24- محمد الجنون
Discussion about this post