على مدار الأسبوعَين الماضيَين، اجتمعت شخصيات من المعارضة السورية، وممثّلون عن فصائل مقاتلة على الأرض، في الدوحة، التي يزورها رئيس «الائتلاف» المعارض، سالم المسلط. ونظّم الأخير، هناك، حفل إفطار دعا إليه سفراء وممثّلين عن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ودول أخرى معارضة لدمشق، الأسبوع الماضي. ويأتي ذلك في محاولة لترتيب جهود التيّار المعادي للحكومة السورية، واستعادة صدارة المشهد السوري المعارض، في ظلّ ظهور نواة لقوى معارضة جديدة تحظى بدعم أميركي، وتتواصل مع «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، وفصائل تنشط في ريف حلب، الأمر الذي يبدو أنه بات يشكّل تهديداً لـ«الائتلاف» الذي يعيش أياماً صعبة.
مصادر سورية معارضة، تحدّثت إلى «الأخبار»، أوضحت أن ورشة العمل التي استضافتها الدوحة تهدف في المقام الأوّل إلى إحياء دور العاصمة القطرية كمركز نشاط للمعارضة السورية، في ظلّ التضييق التركي الكبير على نشاط الأخيرة، سواء بسبب الانتخابات التركية، أو لأسباب تتعلّق بالاستعداد لمراحل الانفتاح المقبلة بين أنقرة ودمشق، والتي يتمّ التحضير لها بدفع روسي – إيراني. وكشفت المصادر أن مسؤولين قطريين اجتمعوا بشخصيات سورية معارضة (بعضهم مستقلّون، وبعضهم يتبعون تجمّعات سياسية مشاركة في «الائتلاف»)، بهدف حثّهم على الخروج بتشكيل سياسي أكثر شمولية، استعداداً للمرحلة المقبلة، التي تبدو أكثر صعوبة على المعارضة، في ظلّ موجة الانفتاح العربية الكبيرة على سوريا. ويتطلّب ذلك، وفق المصادر، «وقف حالة الاستنزاف الداخلي عبر المعارك المندلعة بين الفصائل، وتوحيد الجهود السياسية، والانخراط في عمل واسع يفتح الأبواب بين المناطق الخارجية عن سيطرة الحكومة»، في إشارة إلى إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) بقيادة رجل القاعدة السابق أبي محمد الجولاني، و«قسد» التي تسيطر على المناطق النفطية في الشرق السوري.
عرضت شخصيات سورية تعيش في قطر وتتمتع بعلاقات وطيدة مع «هيئة تحرير الشام» مشروعاً لتوحيد الشمال السوري بمختلف فصائله
وتأتي ورشة العمل الجديدة هذه، بعد نحو عام على محاولة قادها رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشقّ، رياض حجاب، الذي أطلق مبادرة لتوحيد المعارضة، تحوّلت نتيجة الخلافات الداخلية إلى ورشة عمل استضافتها العاصمة القطرية، ولم تَخرج بأيّ جديد يُذكر، في ظلّ حالة الانفصال التي تعيشها الواجهة السياسية عن الفصائل الموجودة على الأرض من جهة، والصراعات الفصائلية والسياسية المستمرّة بسبب تضارب المشاريع واختلاف التبعيات والمرجعيات السياسية من جهة أخرى. وفي هذا السياق، أوضحت المصادر أن شخصيات سورية تعيش في قطر، تتمتّع بعلاقات وطيدة مع «هيئة تحرير الشام»، عرضت مشروعاً لتوحيد الشمال السوري بمختلف فصائله، تحت مظلّة تجميع الجولاني وخصومه كبديل من خطّة الأخير القائمة على التوسّع وقضم مزيد من المناطق في ريف حلب، وخصوصاً أن زعيم «الهيئة» بات يملك حضوراً وازناً في مناطق سيطرة الفصائل بعد مبايعة فصائل عدّة له في ريف حلب. على أن هذا العرض اصطدم بحقيقة عدم مقدرة الواجهة السياسية للمعارضة على فرض أيّ قرارات على الفصائل، ورفض تيّار داخل جماعة «الإخوان المسلمين» مقترحاً كهذا، ترى فيه تسليماً لِما تعتبره «مناطق محرَّرة» للجولاني المصنَّف على لوائح الإرهاب.
وعلى الرغم من عدم خروج هذه الاجتماعات بأيّ جديد يُذكر، أشارت المصادر إلى أن قطر مستمرّة في تقديم دعمها للمعارضة السورية، وسط تسهيلات كبيرة تمهيداً لنقل نشاطها جزئياً أو كلّياً من أنقرة إلى الدوحة، التي تتمتّع واشنطن بأريحية أكبر فيها مقارنة بتركيا. ولربّما يمهّد ذلك لتوحيد الجهود مع الولايات المتحدة، التي تعمل بدورها على تنمية التيّار العربي في «قسد»، بالإضافة إلى الفصائل العربية التي تقاتل تحت إمرتها في منطقة التنف، وتتطلّع في نهاية المطاف إلى فتح الشرق السوري على الشمال، وصولاً إلى الشمال الغربي، وخصوصاً أن الجولاني بات يتمتّع بحظوة أميركية نتيجة تعاونه الأمني المستمرّ مع واشنطن. وبينما أفضى هذا التعاون إلى اغتيال عدد من زعماء تنظيم «داعش» و«جهاديين» آخرين، فقد استمرّ الجولاني في عمله على إنهاء وجود ما بقي من «جهاديين» غير سوريين، سواء عبر ترحيلهم من سوريا، أو اعتقالهم وتصفيتهم في وقت لاحق بشكل تدريجي. وفي أحدث فصول ذلك المسلسل، نفّذت «الهيئة» عملية إعدام جماعية قبل نحو عشرة أيام، وفق مصادر «جهادية» أوضحت، لـ«الأخبار،» أن العملية شملت قياديَّيْن في «القاعدة» تمّ دفنهما في مقبرة جماعية جديدة في إدلب.
علاء حلبي / الأخبار
Discussion about this post