في مساء 15 أبريل 1986 انطلقت طائرات حربية أمريكية من بريطانيا وتوجهت إلى السواحل الليبية، وقصفت مواقع منها قاعدة بحرية للضفادع البشرية قرب طرابلس ومقر القذافي في باب العزيزية.
أطلق الأمريكيون على عمليات القصف الجوي التي استهدفت ليبيا، اسما رمزيا هو “الدورادو كانيون”.
شاركت في الغارات بشكل مباشر ثمانية عشر قاذفة من طراز “إف 111 ” تساندها أربع طائرات متخصصة في الحرب الإلكترونية، انطلقت من القواعد الجوية الأمريكية في بريطانيا، وجرى استهداف مواقع في مدن طرابلس وبنغازي وسرت.
الغارات الجوية الأمريكية بدأت الساعة 02:00 من فجر يوم 16 أبريل بالتوقيت المحلي، واستمرت حوالي 12 دقيقة، أسقطت خلالها القاذفات الأمريكية 60 طنا من المتفجرات.
في تلك العملية الجوية الانتقامية، استخدمت الولايات المتحدة لأول مرة في عملية قتالية، 24 طائرة مزودة بصواريخ مضادة للرادارات.
عملية “الدورادو كانيون” شاركت فيها نحو 100 طائرة حربية تابعة لسلاحي الجو والبحرية، بما في ذلك للحماية وللتزويد بالوقود وللتشويش. بعض هذه الطائرات انطلق من حاملات الطائرات الأمريكية بالبحر المتوسط.
أما تلك التي انطلقت من بريطانيا، فكان عليها الإقلاع مبكرا وقطع مسافات طويلة للوصول إلى هدفها، وذلك لأن فرنسا وإسبانيا رفضتا السماح بمرور الطائرات الحربية الأمريكية في أجوائها، ما أجبرها على التحليق جنوب غرب المحيط الأطلسي، ثم التوجه شرقا عبر مضيق جبل طارق، وقطع مسافة التفاف أضافت أكثر من 4815 كيلو متر إلى الرحلة ذهابا وإيابا، كما ترتب على ذلك مضاعفة مرات تزود الطائرات بالوقود أثناء الطيران.
بعض الطائرات الأمريكية التي شاركت في القصف، لم تتمكن من إلقاء قنابلها لأسباب مختلفة، فيما أخطأت بعض القنابل أهدافها، ما أدى إلى تدمير مبان سكنية ومنازل في مدينة طرابلس.
ردت الدفاعات الجوية الليبية بإطلاق قذائفها وصواريخها، وتمكنت من تدمير قاذفة من طراز “إف – 111” فوق خليج سرت، ما تسبب في مقتل طياريها وهما، فرناندو ويباس دومينسي، وبول لورانس.
بالمقابل، دمرت الغارات الأمريكية في القواعد الجوية التي أغارت عليها، 14 طائرة ليبية من طراز ميغ 21، و3 طائرات نقل إل – 76.
الرئيس الأمريكي رونالد ريغان أعلن بنفسه عن معاقبة القذافي بالغارات الجوية، وسرد أدلته التي “تدين” الزعيم الليبي، وكان يبدو في السياق أن واشنطن كانت تتوقع أن يقتل القذافي في الغارة التي استهدفت مقره في معسكر باب العزيزية وسط طرابلس.
ريغان أعلن في كلمة مصورة بثت بعد الغارات مباشرة قائلا: “شنت القوات الجوية والبحرية الأمريكية في الساعة 7 من مساء اليوم بالتوقيت الشرقي الأمريكي سلسلة من الضربات ضد المقرات والمنشآت الإرهابية والأصول العسكرية التي تدعم أنشطة معمر القذافي التخريبية. وقد تركزت الهجمات واستهدفت بعناية، لتقليل الخسائر في صفوف الشعب الليبي الذي ليس لدينا خلاف معه. وبحب التقارير الأولية، نجحت قواتنا في مهمتها”.
الرئيس الأمريكي قرأ أيضا صحيفة الاتهام والإدانة الأمريكية للقذافي، مفيدا بأنه “في 5 أبريل في برلين الغربية انفجرت قنبلة إرهابية في ملهى ليلي يرتاده جنود أمريكيون. قتل الرقيب كينيث فورد وشابة تركية وأصيب 230 آخرون، من بينهم حوالي 50 عسكريا أمريكيا. هذه الوحشية ليست سوى أحدث عمل في عهد إرهاب العقيد القذافي. والأدلة الآن قاطعة على أن التفجير الإرهابي لمرقص لابيل كان مخططا له ونفذ بأوامر مباشرة من النظام الليبي. في 25 مارس، قبل أكثر من أسبوع من الهجوم، تم إرسال أوامر من طرابلس إلى المكتب الشعب الليبي في برلين الشرقية (السفارة الليبية) لشن هجوم إرهابي ضد الأمريكيين لإحداث خسائر قصوى وعشوائية. قام عملاء لليبيا بزرع القنبلة. لفت المكتب الشعبي في 4 أبريل انتباه طرابلس إلى أن الهجوم سينفذ صباح اليوم التالي، في اليوم التالي أخطروا طرابلس عن نجاح كبير لمهمتهم”
في كلمته تلك، واصل ريغان وضع اللوم على القذافي مشيرا إلى أن “العقيد القذافي ليس فقط عدوا للولايات المتحدة. سجله في التخريب والعدوان ضد الدول المجاورة في أفريقيا موثق ومعروف جيدا. وقد أمر بقتل مواطنيه الليبيين في عدد لا يحصى من البلدان. لقد وقف وراء أعمال الإرهاب في إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، وكذلك في نصف الكرة الغربي. لقد فعلنا اليوم ما كان علينا القيام به. إذا لزم الأمر، سنفعل ذلك مرة أخرى. لا يسعدني أن أقول ذلك، وأتمنى لو كان الأمر على النقيض. قبل أن يستولي القذافي على السلطة في عام 1969، كان الشعب الليبي صديقا للولايات المتحدة. وأنا متأكد من أن معظم الليبيين اليوم يشعرون بالخجل والاشمئزاز من أن هذا الرجل جعل بلادهم مرادفا للهمجية في جميع أنحاء العالم. الشعب الليبي شعب محترم وقع في قبضة طاغية”.
هكذا، أنهى كلمته، وصف الرئيس الأمريكي، الليبيين بأنهم محترمون أوقعهم حظهم العاثر في قبضة “طاغية”، وكان على ما يبدو، ينتظر سماع نبأ مقتله.
المصدر: RT
Discussion about this post