لن يسعد العاملون في الدولة عندما يسمعون وجهة نظر اقتصادية تشير إلى أن زيادة الرواتب تعد كارثة وانتحاراً للاقتصاد السوري!
وأن حلّ المشاكل النقدية أهم بكثير من زيادة الرواتب، لأن حل المشاكل النقدية ورفع القوة الشرائية لليرة هو في حدّ ذاته رفع للراتب فعندما يتم النهوض بقدرة الدخل على الاستهلاك يعني زيادة حقيقية للراتب.
لا معنى لها
قدم الخبير الاقتصادي جورج خزام فكرتين يمكن وصفهما بأنهما من خارج الصندوق، وذلك لتحسين الدخل من دون زيادة الرواتب زيادة سلبية أو طباعة عملة جديدة، أو رفع أسعار المحروقات.
تأمين الكهرباء سيسهم في توقف استيراد كل مستلزمات توليد الكهرباء من المولدات وألواح الطاقة الشمسية والبطاريات والشواحن و مستلزماتها
خزام يطرح فكرة تخفيض أسعار الأعلاف للدواجن والأبقار، لأن انخفاض سعر طن العلف سيؤدي لانخفاض سعر الفروج والبيض واللحمة الحمراء ومشتقات الألبان والأجبان لأكثر من النصف.
وعليه فإن انخفاض أسعار هذه المواد سيشكل بعض الزيادة من هذا الوفر لشراء بقية المستلزمات الاستهلاكية
وأضاف خزام إنّ انخفاض سعر العلف يسمح للمستهلكين بمضاعفة الكميات التي يستطيعون شراءها بالمبلغ المخصص لها نفسه، وإذا كان الشخص يشتري شهرياً 2 كغ لحمة و2 كغ فروج، فبعد انخفاض السعر سيتمكن بالمبلغ السابق نفسه من شراء 3 كيلو من كل نوع.
كما أن انخفاض أسعار تلك المنتجات المرتبطة بالعلف سيؤدي لزيادة الطلب، و معه زيادة عدد المداجن وزيادة عدد مربي الأبقار وزيادة الإنتاج، وتصدير الفائض و الاستغناء عن استيراد الحليب البودرة، ومعه انخفاض البطالة و انخفاض سعر صرف الدولار.
تقديم طلب رسمي لإحدى الشركات الروسية لإنتاج الأعلاف وأن تفتح فرعاً لها في سورية أو أن تقوم وزارة الزراعة أو وزارة التجارة الداخلية باستيراد العلف من روسيا القادرة على إيصاله لأرض المرفأ لأسباب تتعلق بالأمن الغذائي للبلد وإغراق السوق بالعلف بسعر التكلفة
واقترح خزام أن يتم تقديم طلب رسمي لإحدى الشركات الروسية لإنتاج الأعلاف وأن تفتح فرعاً لها في سورية، أو أن تقوم وزارة الزراعة، أو وزارة التجارة الداخلية باستيراد العلف من روسيا القادرة على إيصاله لأرض المرفأ لأسباب تتعلق بالأمن الغذائي للبلد و إغراق السوق بالعلف بسعر التكلفة.
عن طريق الكهرباء
أما الاقتراح الثاني الذي يقدمه خزام فهو زيادة القوة الشرائية للرواتب الضعيفة عن طريق الكهرباء.
وبيّن خزام أن تخفيض سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية هو عن طريق الكهرباء، وتخفيض الأسعار في الأسواق والقضاء على السوق السوداء للمحروقات و تخفيض الطلب عليها و حلّ مشكلة تسرب وسائل النقل العامة فالطريقة أيضاً هي بالكهرباء.
معالجات على مستوى السياسة النقدية تحسن الدخول من دون زيادة رواتب
والفكرة التي يقترحها خزام أن تأمين الكهرباء سيسهم في زيادة الإنتاج بالمصانع، وزيادة العرض بالأسواق، وبالتالي تخفيض الأسعار وتصدير الفائض و إدخال الدولار وهذا يؤدي لانخفاض سعره.
كما أن توقف الطلب على المحروقات في السوق السوداء لتشغيل المولدات والتدفئة سيخفض سعره، ويصبح هناك عدم جدوى لبيع المازوت من قبل مالكي وسائل النقل العامة المتسربة وعودتها للخدمة.
توقف الاستيراد
أضاف خزام إن تأمين الكهرباء أيضاً سيسهم في توقف استيراد كل مستلزمات توليد الكهرباء من المولدات وألواح الطاقة الشمسية والبطاريات والشواحن ومستلزماتها، وقطع الغيار لها. ما يؤدي لتوفير ملايين الدولارات التي يمكن تشغيلها في مجالات صناعية منتجة أكثر جدوى للاقتصاد.
توفير الكهرباء يؤدي إلى إنعاش الأسواق المظلمة، وإنارة الشوارع الحزينة من الظلام والتخلص من ضجيج المولدات والتلوث من الدخان.
تخفيض سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية عن طريق الكهرباء وتخفيض الأسعار في الأسواق والقضاء على السوق السوداء للمحروقات وتخفيض الطلب عليها و حلّ مشكلة تسرب وسائل النقل العامة فالطريقة أيضاً هي بالكهرباء
والأهم تخفيض تكاليف الإنتاج في جميع المصانع والورشات التي تعتمد على المولدات لاستمرار عملها وتشتري المازوت من السوق السوداء بأسعار مرتفعة
ما يؤدي لزيادة الطلب عليها بالأسواق بسبب انخفاض أسعارها.
توفير الكهرباء حسب خزام يحقق القدرة على منافسة البضائع المستوردة من قبل البضائع الوطنية، وبالتالي التوقف عن هجرة رأس المال والصناعيين والتجار والأطباء والخبرات والمهنيين والعمال، وهذا يسهم في زيادة التحصيل الضريبي للخزينة العامة، بعد إعادة دوران العجلة الاقتصادية، وإعادة إنعاش الأسواق.
في المضمار النقدي
في سياق نقدي يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي عامر شهدا أن أي زيادة للرواتب في ظل التضخم الجامح هي زيادة خلبية، لأن التضخم وارتفاع الأسعار سيمتص الزيادة ونعود لنقطة البداية.
فهناك الكثير من السياسات النقدية التي يمكن اتخاذها، وتكون نتائجها أهم من نتائج زيادة الرواتب على قيمة الليرة وقدرتها الشرائية وعلى الاقتصاد الوطني عموماً.
وتساءل شهدا إذا كانت زيادة الرواتب لن تحل مشكلة انخفاض القدرة الشرائية لليرة، فهل هناك من حلول بديلة؟
وأجاب بأنه يجب العمل على رفع القوة الشرائية لليرة السورية ولجم التضخم، ورفع قدرة الدخل على الاستهلاك، ورفع الطلب في الأسواق، لزيادة الإنتاج والتصدير ومن دون ذلك زيادة الرواتب لا معنى لها.
هناك حلول من خارج الصندوق لتحسين الدخل من دون زيادة أجور أو طباعة عملة
وبيّن أننا أمام خيارات تحدد أيهما الأهم: وضع سياسة نقدية ترفع القوة الشرائية لليرة، وتلجم التضخم وترفع قدرة الدخل على الاستهلاك، أم زيادة الرواتب التي ستتسبب بإضعاف الليرة السورية في ظل التضخم؟
وأشار شهدا إلى أننا أمام مشكلة كبيرة في طريقة إدارة النقد، لأنها لا تستخدم أدوات السياسة النقدية، ولأن السياسات النقدية ضعيفة تفتقر للمهنية حسب قوله.
أمراض النقد
عرض شهدا حيثيات ذات صلة بالسياسة النقدية يجب علاجها قبل رفع الرواتب منها تشخيص مشكلة وجود كتل نقدية من الليرة السورية غير معروفة الحجم في المناطق الواقعة خارج سيطرة الدولة، وبالتالي خارج رقابة المصرف المركزي.
وهناك كتلة نقدية من الليرات السورية في أسواق الدول المجاورة أيضاً، ودليله على ذلك أن مساعدات الأردن لسورية عند حدوث الزلزال كانت على شكل حملة تبرعات بشراء الليرة السورية من الأسواق الأردنية.
وتساءل شهدا فيما إذا كانت هناك إحصائية للإصدارات النقدية، لمعرفة الكتل النقدية المهربة؟
ومن مشكلات النقد أيضاً أن حوالات القطع الأجنبي التي تأتي ليست دولاراً جاهزاً، بل أرقام تسجل بحسابات مؤسسات الصرافة.
وتساءل شهدا عندما يتفق تاجر مع مؤسسة صرافة لدفع دولار مقابل تمويل صفقة بالدولار، من أين يأتي التاجر به؟ وعندما نجد مستوردين يأتون ببوالص مدفوعة القيمة كيف تدفع قيمتها؟
وخلاصته أنه في ظل هذه الأمراض النقدية يصبح رفع الرواتب بلا نتيجة أو فائدة على وضع المواطن أو الاقتصاد الكلي.
زيادة الرواتب في ظل التضخم وارتفاع الأسعار زيادة خلبية
دور مهمش
وبين شهدا أن تراجع دور المصارف من مشاكل النقد أيضاً، وقال إن ما نراه حالياً أن دور المصارف يقتصر على الودائع والسحوبات، بينما تغيب الاعتمادات والبوالص، حيث نقلت مهام المصارف إلى مؤسسات الصرافة، لتصبح السياسة النقدية تعتمد في تنفيذها على مؤسسات الصرافة.
وهذا يطرح السؤال: أيهما أقوى للنقد أن تنفذ المصارف السياسة النقدية أم مؤسسات صغيرة؟
ودعا شهدا إلى إعادة النظر بدور منصة تمويل المستوردات لأنها لم تحقق أهدافها، بدليل ارتفاع سعر الصرف، وانخفاض قيمة الليرة، و استنزاف مستمر لمقدرات المواطن، لأنها سبب في رفع الأسعار.
ولفت إلى أن وعود السياسات النقدية لم تترجم على أرض الواقع، وهذا يفرض إعادة النظر فيها، وليس الاستمرار بها خاصة مع غياب التوضيح.
فالسياسات النقدية والاقتصادية والمالية المتبعة لرفع وتيرة موارد الخزينة من أجل زيادة الرواتب ودعم الإنتاج، أو تثبيت سعر الصرف لم تعطِ نتائج إيجابية، وقانون الاستثمار لم يحقق نمواً حقيقياً كما وعدنا به عند الادعاء بتعافي الاقتصاد، فأين تعافي الاقتصاد مع عدم قدرة المواطن ودخله على الاستهلاك؟
أين سياسة الزيادة؟
أضاف شهدا إنّ زيادة الرواتب تخضع لسياسة، فأين سياسة زيادة الرواتب وعلى ماذا تعتمد؟
إذ لا يكفي قول المالية إنّ زيادة الرواتب متوقفة على زيادة الموارد، فزيادة الموارد تحتاج إلى حركة في الإنتاج، والواقع أن هناك تراجعاً في الإنتاج، ودليل ذلك تراجع قيم الاستيراد والتصدير، والنتيجة تراجع موارد خزينة الدولة وهذا يؤثر في سياسة رفع الرواتب إن وجدت.
خلبية
أما التخبط الحاصل والنتائج السلبية للخطط والسياسات واستياء المواطن من الوضع الاقتصادي المزري، يفرض على المعنيين أن يوضحوا ما الذي يحصل؟
والابتعاد عن سياسة الاختباء خلف المشكلة والسير معها، ونصح شهدا بعدم تكرار تجربة رفع الدعم في ظل غياب سياسة رفع الدعم، لأن الوفورات التي تحدثوا عنها من سياسة رفع الدعم خلبية، وأن عجز الموازنة سببه الهدر الذي قدر نسبته بما لا يقل عن 50% من عجز الموازنة.
وبيّن شهدا أن الموضوع يحتاج إلى إبداع في الحلول، وليس لزيادة رواتب تسعد الناس ليومين، وفي اليوم التالي تبدأ المطالبة بزيادة مجدداً! فالواقع يتطلب العمل على إصلاح الوضع النقدي قبل التفكير بزيادة الرواتب
تشرين
Discussion about this post