شبكة أخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
بعد مرور قرابة عام على هروب بشار الأسد إلى موسكو وانهيار مؤسسات النظام السابق، لا تزال ملامح الجيش السوري الجديد غامضة ومبعثرة، إذ لم تتخذ خطوات حقيقية لتأسيس جيش وطني متماسك قادر على ملء الفراغ الأمني والعسكري الهائل الذي خلّفه سقوط النظام وتسريح ضباطه وعناصره.
تعيينات محدودة… وتأثير تركي واضح
أصدرت وزارة الدفاع السورية الجديدة في الآونة الأخيرة قرارات بتعيين ضابطين منشقين في مناصب حساسة، هما اللواء سليم إدريس والعميد حسن حمادة.
فقد عُيّن إدريس مستشارًا في الأكاديمية الوطنية للهندسة العسكرية في حلب، وهي من أبرز المؤسسات العسكرية في المنطقة، بينما تولى حمادة منصب نائب رئيس أركان القوى الجوية.
ويرى مراقبون أن هذه التعيينات تعكس نفوذًا تركيًا مباشرًا في المشهد العسكري السوري الراهن، بخاصة أن الضابطين يتمتعان بعلاقات وثيقة مع أنقرة، وسبق لهما العمل ضمن مؤسسات الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا. كما شملت التعيينات الأولى ترفيعات لقادة فصائل مسلحة بينهم أجانب، في حين تم تجاهل عدد من الضباط المنشقين البارزين الذين يمتلكون خبرات ميدانية طويلة.
سليم إدريس وحسن حمادة… من الانشقاق إلى التعيين
يُعرف عن اللواء إدريس اعتداله وانفتاحه على التعاون مع الأتراك والأميركيين، إذ تولى وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة قبل أن يستقيل عام 2021، بعد مسيرة بدأت بانشقاقه عن جيش النظام عام 2012 وانتقاله إلى إسطنبول.
أما العميد الطيار حسن حمادة، فقد صنع حدثًا بارزًا في عام 2012 عندما حلّق بطائرته “ميغ 21” إلى الأردن طالبًا اللجوء السياسي، ثم انتقل لاحقًا إلى تركيا حيث تولى وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة عام 2021، كما أسس الفرقة 101 مشاة ولواء يوسف العظمة.
تاريخ الانشقاقات… من بسام العدل إلى جيش سورية الحر
منذ أواخر الثمانينيات، شهدت سورية حالات انشقاق فردية لافتة، أبرزها انشقاق الطيار بسام العدل الذي فر بطائرته “ميغ 23” إلى إسرائيل عام 1989، تلاه ضابط الاستخبارات الجوية حسام العواك عام 2005، أي قبل اندلاع الثورة بست سنوات.
لكن الانشقاقات تحولت إلى ظاهرة واسعة بعد عام 2011، عندما استخدم النظام السلاح ضد المدنيين، فخرجت دفعات من العسكريين والضباط رافضين المشاركة في القمع.
ومع تصاعد القتال، تأسس في يوليو (تموز) 2011 جيش سورية الحر كأول جسم عسكري للمعارضة، وضم ضباطًا وعناصر انشقوا عن الجيش النظامي.
إلا أن هذا الكيان لم يصمد سوى عام واحد، إذ تفكك لاحقًا لصالح فصائل جهادية أكثر تنظيماً وتمويلاً.
أرقام الانشقاقات وتحديات العودة
تشير التقديرات إلى أن نحو 10 آلاف عنصر وصف ضابط انشقوا عن جيش النظام، إلى جانب أكثر من 4 آلاف ضابط، انقسموا بين من قاتل في صفوف المعارضة ومن اختار المنفى.
ويؤكد العقيد المنشق محسن حمدان أن الانشقاق في تلك المرحلة كان “وسام شرف”، لأن الضابط الذي ينشق كان يوقع على حكم إعدامه بنفسه.
لكن حمدان عبّر عن استيائه من تهميش الضباط المنشقين في التشكيلات العسكرية الجديدة، مؤكداً أن معظمهم لم يُعيَّن بعد رغم كفاءاتهم العالية في مجالات الطيران والمدفعية والصواريخ والدفاع الجوي.
وأضاف أن بناء جيش حديث لا يمكن أن يتم بعشوائية، بل يتطلب اعتماد معايير واضحة تشمل التأهيل، والدورات العسكرية، والترقيات، والعقيدة القتالية الموحدة، وحتى الزي العسكري الموحد أثناء المهمات الرسمية أو المراسم، وهي أمور ما تزال غير محسومة حتى الآن.
ويقدّر حمدان أن عدد الضباط المنشقين المؤهلين يتراوح بين 4 و5 آلاف ضابط يمكنهم سد الثغرات الكبرى في هيكل الجيش الجديد، مشيراً إلى أن “انشقاقهم كان السبب في فقدان جيش النظام السابق كفاءته القتالية”، وفق ما أكده مسؤولون إيرانيون سابقاً.
عودة تدريجية للمنشقين
في المقابل، أعلنت وزارة الدفاع السورية الجديدة في أغسطس (آب) الماضي عن فتح باب العودة للضباط المنشقين، حيث تلقت أكثر من 3 آلاف طلب رسمي.
وشكّلت الوزارة لجانًا متخصصة لدراسة الطلبات وتحديث بيانات المتقدمين وفق معايير مهنية محددة، كما خصصت منصة إلكترونية لتسهيل التسجيل وتنظيم عملية إعادة الدمج في صفوف الجيش الجديد.
ويُتوقع أن تتم الموافقة على عودة 70% من الضباط المنشقين بحسب مصادر مطلعة، في حين فضّل البعض الآخر البقاء في الخارج لأسباب شخصية أو لاعتبارات العمر والاستقرار الأسري.
التحديات والقدرات المفقودة
يواجه الجيش السوري الجديد مهمة شاقة في ظل انهيار القوة الاستراتيجية للجيش القديم، بعدما دمرت الغارات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية أكثر من 80% من قدراته عبر أكثر من ألف غارة جوية، إضافة إلى التوغلات البرية في الجنوب وريف دمشق.
ويأتي هذا في وقت يحتل فيه الجيش السوري (قبل سقوط النظام) المرتبة السادسة عربياً والـ47 عالمياً وفق تصنيف “غلوبال فاير باور” لعام 2022، مما يبرز حجم التحدي المطلوب لاستعادة قوة الجيش وهيبته.
مناف طلاس… اسم يعود إلى الواجهة
وسط حالة الترقب والجمود، عاد اسم العميد مناف طلاس إلى التداول كأحد أبرز المرشحين لتولي وزارة الدفاع أو رئاسة الحكومة.
وطلاس، نجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس المقرب من حافظ الأسد، يُعد من أبرز الضباط الذين انشقوا عن النظام في بدايات الثورة، وشكل انشقاقه صدمة قوية لعائلة الأسد.
وفي محاضرته الأخيرة بباريس، دعا طلاس إلى تسريح الفصائل المسلحة وإخراج المقاتلين الأجانب، مقابل إعادة دمج نحو 10 آلاف ضابط من الجيش السابق في مؤسسات الدفاع والداخلية، مؤكداً أن “إعادة بناء المؤسسة العسكرية السورية تبدأ من الكفاءات الوطنية لا الولاءات الفصائلية”.
اندبندت عربية












Discussion about this post