اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
بينما لا تزال سورية تحاول الخروج من تبعات حرب مدمّرة استمرت لأكثر من عقد، وأزمة اقتصادية خانقة، وعقوبات غربية قاسية، بدأت تطفو على السطح أزمة جديدة لكنها أكثر صمتًا: الانكماش النقدي.
هذه الأزمة لا تقل خطورة، إذ تهدد بتجفيف ما تبقى من الدورة الاقتصادية الهشة في البلاد، بحسب مختصين.
سياسة “حبس السيولة”: استقرار أم شلل؟
يتبع “مصرف سورية المركزي” سياسة مالية صارمة تهدف إلى تقليص حجم السيولة النقدية المتداولة في السوق، بزعم ضبط سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية.
لكن هذه السياسات، بحسب الباحث الاقتصادي الدكتور سلمان ريا، لا تؤدي إلى الاستقرار، بل تغذي الركود وتعمّق الأزمة المعيشية.
وأكد ريا، في تصريحات نقلتها صحيفة “الثورة”، أن خفض تمويل المصارف بالسيولة خلق اختلالات في الدورة المالية، وجعل النظام المصرفي غير قادر حتى على تلبية الحد الأدنى من طلبات السحب اليومية للمواطنين.
وتشير البيانات الأممية إلى أن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يواجه قرابة 13 مليون شخص انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، وفق تقارير برنامج الأغذية العالمي.
الاقتصاد يختنق مع تراجع الاستهلاك
يضيف ريا: “تقليص الكتلة النقدية لا يؤدي تلقائيًا إلى استقرار سعر الصرف، لكنه يضعف قدرة المواطنين على تلبية حاجاتهم الأساسية من غذاء ودواء، ويعطل القوة المحركة الوحيدة المتبقية للاقتصاد: الاستهلاك الداخلي”.
ويشبّه ريا هذه الإجراءات بما حدث في دول كفنزويلا خلال فترة 2017–2019، عندما أدت سياسات تقليص الكاش إلى اتساع الفجوة بين السوق الرسمية والسوق السوداء، بدلًا من كبح التضخم، وهو ما يحدث حاليًا في سوريا أيضًا.
السيولة ليست ترفًا.. بل ضرورة لإنعاش الاقتصاد
ويؤكد ريا أن ضخ السيولة أمر أساسي لتمويل الاقتصاد المحلي، خاصة في بلد يعتمد بنسبة 75% من نشاطه الاقتصادي على الإنفاق المنزلي.
ويشدد على أهمية السيولة في دعم المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، التي تشغّل نحو 40% من اليد العاملة في البلاد، وفق بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
الدفع الإلكتروني قسرًا؟ خطر على الثقة بالنظام المصرفي
يدعو ريا إلى الابتعاد عن “التحوّل القسري” نحو الاقتصاد غير النقدي، معتبرًا أن فرض الدفع الإلكتروني في ظل انقطاع الكهرباء، وضعف البنية المصرفية، وانعدام الثقة بين المواطنين والمصارف، قد يؤدي إلى عزوف جماعي عن التعامل مع النظام الرسمي، ويعزز انتشار الاقتصاد الموازي.
الحل من الإنتاج لا من التقييد
يشدد ريا على ضرورة تعزيز الإنتاج المحلي بدلًا من حبس السيولة، واقترح بدء الإصلاح من دعم الزراعة والصناعة، وتقديم بدائل حقيقية للمستوردات، بهدف تخفيف الضغط على الدولار وتقليص العجز التجاري الذي يُقدّر بأكثر من 4 مليارات دولار سنويًا.
إصلاح نقدي بلا تعليم ولا معرفة؟ طريق مسدود
ويختتم ريا حديثه برسالة تحذيرية: “لا يمكن تجميد النقد دون تجميد الاقتصاد… لا تعافٍ دون سيولة، ولا سيولة دون ثقة، ولا ثقة دون إصلاح جذري”.
ويرى أن الحل الجذري لا يقتصر على السياسات النقدية، بل يتطلب أيضًا استثمارًا فعليًا في التعليم، وتدريب الكوادر، والابتكار، وتمويل البحث العلمي، لتجاوز النمط الريعي الهشّ الذي تعاني منه بنية الاقتصاد السوري.
وفي سياق متصل، يظل الغموض يحيط بوضع احتياطي سورية من الذهب والقطع الأجنبي، حيث لم يصدر المصرف المركزي أي بيانات رسمية بهذا الشأن منذ الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
“الحل”












Discussion about this post