اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
رغم ما عانته عائلته من فقدان ومآس بسبب النظام السوري السابق، إلا أن الفنان السوري، مازن الناطور، يرفض الانزلاق إلى دائرة الانتقام بعد سقوط نظام، بشار الأسد.
الناطور انتقد بعض الممارسات التي وثقتها مقاطع فيديو لعمليات القبض على عناصر من النظام المخلوع من المتهمين بارتكاب انتهاكات بحق السوريين، داعيا إلى محاكمتهم وفق الأصول.
وقال: “رفقا بالمجرمين، لن نكون كالمجرم الأسبق”، في إشارة إلى الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، الذي اشتهر نظامه بممارسة صنوف التعذيب القاسية في السجون.
الناطور الذي عاش في المهجر طيلة سنوات الثورة السورية، حل ضيفا على برنامج “حكى وحكايات” الذي تبثه قناة “الحرة”.
في حديثه، سرد الناطور قصصا موجعة عن فقدان أفراد من عائلته على يد النظام، قائلا: “ابن أخي الأكبر، مرهف الناطور، كان طالب هندسة، قُتل برصاص قناص أثناء محاولته إسعاف والد صديقه إلى المستشفى”.
وقال: “ابن أخي الآخر، البالغ من العمر 22 عاما، قتل أيضا برصاص قناص النظام. وخالي، إلى جانب 17 شابا من أبناء عمومتي، لقوا حتفهم في عمليات النظام”.
وأشار الناطور إلى حجم المأساة التي تعرضت لها أسرته، قائلا: “نحن ستة إخوة، أصبحنا موزعين على ست دول بسبب التشريد”.
ويؤكد قوله: “لا أعتقد أن حالتي تختلف عن أي عائلة سورية أخرى، فقد أصبح التشريد والآلام جزءا من حياتنا اليومية”.
هذه الكلمات تعكس حجم المعاناة التي عاشها السوريون خلال سنوات الصراع، وتحمل رسالة إنسانية تدعو إلى إنهاء دائرة العنف والانتقام.
الفنانون السوريون والثورة
وكان الناطور من أول الفنانين القلائل الذين أعلنوا وقوفها مع الثورة السورية، رغم أن النظام السوري كان مهتما بكسب هذه الفئة لصالحه.
ويقول الناطور إن النظام السوري كان يهيمن على معظم مجالات الحياة في سوريا، بما في ذلك الفن والإعلام، وهذا جزء من استراتيجيته التي كان يعتبرها ثمينة للغاية.
ويضيف أن النظام كان يسعى لشراء ولاء الفنانين والإعلاميين بكل الوسائل الممكنة، من خلال السيطرة على الأدوات الإعلامية بمختلف أشكالها، ما منحه قدرة على تشكيل صورة مشوهة للواقع وشرعنة وجوده.
ويقول إن الولاء كان يُشترى إما بالمال أو بالتهديد، كما يقول المثل الجنوبي السوري الشائع: “اللي ما بيجيك بالتمرة، اعطيه عين حمراء، واللي ما بيجيك بالعين الحمراء، اعطيه جمره”. هذه العبارة تشرح كيف كان النظام يراوغ لشراء الولاء، سواء بالترغيب أو بالتهديد.
في ظل هذا السياق، يقول الناطور لم يكن للفنانين في مناطق سيطرة النظام خيار سوى “الخضوع”، حيث كان يُفرض عليهم الانحياز التام للمصالح الشخصية للنظام.
وإذا كان الفنان في مرمى هذه السيطرة، فليس لديه الحق في رفض أو الوقوف على الحياد، كما يقول الناطور، الذي أشار إلى أن الأسد وفي أول خطاباته بعد انطلاع الثورة حيث كان أول أوصل رسالة مفادها “يا معنا، أو ضدنا”.
وكان على الفنانين أن يختاروا بين القبول بالولاء، الذي كان يعتبر في كثير من الأحيان “تمرا حلوا”، أو مواجهة العواقب الوخيمة.
ويقول الناطور إن من المؤسف أن العديد من الفنانين “انجروا وراء هذه الإغراءات، رغم أن الفن يجب أن يكون ضمير الأمة، ورسالة سامية تخدم المجتمع”.
وشبه الناطور في حديث نظام وعائلة الأسد بـ “جبل رابض على صدور السوريين”، خاصة وأن الفترة الأخيرة لسنوات النظام كان هناك محاولات دولية لإعادته إلى المجتمع الدولي.
ويشرح الناطور وهو من مواليد مدينة درعا واشتهر بمواقفه الجريئة والمعارضة للنظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 أن “سقوط نظام الأسد، يختلف عن أي سقوط أنظمة أخرى، إذ أنه استطاع البقاء في الحكم لعقود، والشعارات التي كان يطلقها، والاستبداد بشكل نوعي”.
ودعم الناطور مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة وأعلن دعمه للحراك الشعبي ضد القمع. وقال إنه عندما كتبت عبارة “إجاك الدور يا دكتور” على جدار في درعا من وقتها بدأ بشار الأسد يسقط.
“سوريا ليست باب الحارة”
وكرر الناطور مقولته إن “سوريا ليست باب الحارة”، إذ أنه نظام الأسد حاول ممارسة سياسة “فرق تسد”، من خلال تمزيق مكونات الشعب السوري.
وذكر أن سوريا فيها “فسيفساء” من المجموعات الإثنية والطوائف المختلفة، بينما حاول النظام فرض أفكار “سياسات التفرقة” من خلال الإنتاج التلفزيوني.
وانتقد الإنتاج الدرامي الموجه من قبل النظام الذي اعتمد على “التسفيه” و”التسلية” و”صنع المواد الإعلامية التافهة”.
ويفخر الناطور لأنه لم يشاهد العمل الدرامي “باب الحارة”، ولكن بالاعتماد على بعض المقاطع المتداولة، وما يتداول على ألسنة الناس، عكس “سطحية” مشوهة للمجتمع السوري، على عكس ما هو موجود في الحقيقة.
من الدعم إلى الإدانة.. فنانون سوريون يغيرون مواقفهم بعد هروب الأسد
ما أن سيطر مسلحو الفصائل المعارضة على العاصمة دمشق، وهروب بشار الأسد إلى روسيا، حتى تحولت مواقف فنانين، لطالما عرفوا بدعمهم للنظام أو التزامهم الصمت تجاه جرائمه.
ويرى أن بعض الأعمال مثل باب الحارة، لم تكن منصفة لسوريا، وكان النظام يريد تصدير فكرة “أن السوري لا حضارة لديه، ولا يوجد ما يقدمه من قيمة سوى التسلية”.
وذكر أن النظام كان يسمح ببعض الأعمال التي كان يتعجب البعض من جرأة الطرح فيها، ولكنها لم تكن تهدف إلى التوعية، بل لتلميع صورته على أن سوريا بلد ديمقراطي.
“التهميش الثقافي”
ولم تسلم اللهجات في سوريا من التهميش، إذ أن الانطباع أن اللهجة هي الدمشقية التي يحكي بها الجميع، ولهذا غالبية أعمال الناطور باللهجة البدوية كانت في خارج سوريا.
وقال إن نظام الأسد كان يحاول طمس وتهميش كل ما يتعلق بالعائلات الكبيرة، أكان بتكميم الأفواه أو مصادرة الأموال، وكان يزرع الفتنة في داخل كل تجمع على أي مستوى.
واستطاع النظام زرع الخوف بين السوريين، إذ أصبح كل شخص يخاف من الآخر، وذلك بسبب شبكة الجواسيس التي كان يزرعها بين أبناء العائلة الواحدة حتى.
“سوريا للجميع” والاعتراف “أن الكل مظلوم”، هذا ما قد يعيد سوريا إلى طبيعتها بحسب الناطور.
وقال إنه منذ مغادرته سوريا لم يعد إلى هناك حتى اللحظة، معترفا بوجود أوقات شعر فيها أن “العودة أصبحت مستحيلة”.
وفي أقرب وقت وعد الناطور بالعودة إلى سوريا.
واختتم حديثه بالقول “مشتاق لأرضي وناسي، مشتاق لبيتي ومزرعتي، مشتاق لهوا سوريا”.
Discussion about this post