اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
“أحلم أن تعود سوريا وطناً للجميع. وطن تتساوى فيه الحقوق والواجبات”، يقول، عمر بريمو، الذي عاد إلى مدينته حلب بعد رحلة لجوء استمرت أكثر من عشر سنوات، لكن رغم أحلامه الكبيرة وفرحته العارمة، لا يخفي عمر مخاوفه من أن تتحول البلاد إلى ساحة جديدة للانقسامات الداخلية أو يتشكل استبداد جديد يتخذ شكلاً مختلفاً.
أكثر ما يخيف عمر، “أن قلوب الكثير من الناس تغلي وتريد العدالة وفلول النظام السابق ما زالوا موجودين ومتسترين كخلايا نائمة، وقد تتعمد استحداث المشاكل بين فئات المجتمع لجره إلى الفوضى والدم مجددا”.
وبين الحُلم بالخلاص والخوف من المجهول، يتطلع سوريون إلى مستقبل بلدهم بعد أكثر من عقد من الحرب بمزيج من التفاؤل والحذر، بانتظار ما ستكشفه الأيام، ويأملون ببناء وطن آمن مزدهر يضمن حقوقهم وحرياتهم.
بين التفاؤل والحذر
رغم التغيرات الإيجابية التي بدأت تظهر في بعض المناطق، لا تزال ذكريات القمع والخوف عالقة في أذهان الكثير من السوريين.
يقول، مؤيد يازجي، من مدينة ريف دمشق، “عشنا سنوات من الرعب والخوف والإهانات اليومية في كل مكان، بدءاً من كمّ الأفواه في مؤسسات الدولة وصولاً إلى بطش الشبيحة ورجال الأمن والمخبرين، واليوم، نحن سعداء بفكرة أن الوطن يُبنى من جديد، وأكاد لا أصدق حين يعاملنا الجنود باحترام ولطف، وأتساءل هل هذا حقيقي؟”.
وعلى الرغم من التغييرات الإيجابية التي حدثنا عنها البعض، لا تزال هناك مخاوف لدى شرائح معينة من المجتمع السوري حول مستقبل الحريات والحقوق، خصوصاً لدى الأقليات.
تقول، ماريا حنا، من مدينة دمشق خلال حديثها مع موقع الحرة، “ما يظهر حتى الآن من هيئة تحرير الشام مطمئن، فالناس يعاملون الجميع باحترام والخدمات تتحسن، لكنني أخاف مما أسمعه على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يهدد البعض بقمع الأقليات والحد من حرياتنا، وهذا يجعلني أتساءل إن كانت الأمور ستستمر على ما هي عليه، أم أن هناك شيئاً آخر قد يظهر لاحقاً”.
وتضيف ماريا، “من الطبيعي أن تعيش الأقليات في حالة من القلق بسبب التصريحات المتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بعد الحرب التي عمقت الانقسامات ورفعت منسوب الخوف من الآخر، لهذا يجب على الجهات المسؤولة في المستقبل أن تقدم ضمانات واضحة لحماية حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم”.
تؤكد الباحثة الاجتماعية، إيفا وحيد عطفة، أن، “الانقسامات الطائفية والعرقية التي تفاقمت خلال الحرب والتي عمل النظام على زرعها بين الناس لن تُمحى بسرعة، وسيحتاج المجتمع السوري إلى جهود كبيرة من المسؤولين والمؤثرين ووسائل الإعلام والتواصل ورجال الدين لطمأنة الناس وضمان الحريات”.
بدورها تقول مستشارة الصحة النفسية والاجتماعية، عائشة عبد المالك، في حديثها مع موقع “الحرة”، أنه يجب العمل الآن لتعزيز السلم الأهلي والتعايش بسلام، وإعطاء المرأة حقها، بطريقة إيجابية، وبشكل مستدام وغير مؤقت.
وتضيف “يجب أن تكون هناك تنازلات من كافة الأطراف، فالخوف يذهب عندما نرى مشاهد حضارية وسلمية، رأينا عندما دخلت القوات إلى المدن وطمأنت المدنيين ووزعت لهم الطعام والخبز، وتكرار هذه السلوكيات قادر على إزالة الخوف وإعطاء الأمان، بالإضافة للتسامح في النزاعات، فعندما نعمل على علاقات جيدة بين المجموعات، يذهب الخوف لدى الجميع”.
ومن الجانب النفسي، تؤكد المستشارة عائشة وجود اضطرابات وأمراض نفسية كثيرة لدى من عايش السنوات السابقة سواء من النازحين أو المتواجدين في مناطق سيطرة النظام خلال فترة حكمه، “هناك علاجات لهذه الاضطرابات دوائية وغير دوائية، ولكن يجب ألا ننسى أنه في أي موقف مر على الإنسان، هو خبرة يبني عليها لعمل علاقاته وتواصلاته، ويكمل حياته معها، والحرب والطائفية أثرت بشكل كبير على الجميع، ولا نستطيع أن ننكر ذلك، فالأجيال التي عايشت الحرب، سيبقى لديهم رادع وخوف. وهذه الأجيال ستربط علاقاتها دائما بما حصل سابقاً في حياتها”.
رفع العقوبات وإعادة الإعمار
تحقيق إعادة الإعمار هو أحد أبرز تطلعات الكثير من السوريين، لكنه يبدو معقداً في ظل القيود المفروضة بموجب قانون قيصر، الذي يمنع الشركات الدولية من التعامل مع سوريا.
ومع الحديث عن احتمالية إسقاط العقوبات بعد سقوط النظام، يتساءل كثيرون عن قدرة الدولة على قيادة هذه العملية وسط انهيار اقتصادي واسع.
يقول، أحمد الناصر، الذي عاد من تركيا مؤخرا، وهو من سكان مدينة القصير في ريف حمص، “حتى لو رُفعت العقوبات، من سيعيد بناء سوريا؟ هناك عائلات هدمت بيوتها بالكامل وغالبيتها لا تملك قوت يومها، ولا يوجد تعويضات، فالدولة مفلسة وإمكانيات الشركات المحلية ضعيفة، ويبدو أن الطريق طويل جداً”.
ويتطلع أحمد إلى رفع العقوبات عن سوريا وإسقاط قانون قيصر، كي تتمكن الشركات العربية والأجنبية من الاستثمار في سوريا، لتسريع عملية إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد، كما يؤكد أن إعادة الإعمار ليست فقط تحدياً مالياً، بل أيضاً اجتماعياً، إذ يجب أن تترافق مع خطط مدروسة تضمن حقوق المهجرين وتعالج مشكلاتهم.
آمال باستعادة السيادة
لطالما كانت سوريا، خلال السنوات الماضية، مسرحاً لتدخلات قوى دولية وإقليمية، أبرزها إيران وروسيا، اللتان دعمتا النظام مقابل نفوذ واسع، بالنسبة للعديد من السوريين، فإن التخلص من هذا النفوذ يعتبر خطوة أساسية لاستعادة سيادة سوريا.
رولا إدلبي، معلمة سورية من البرامكة في دمشق تقول في حديثها مع “الحرة”، “سعيدة جدا ومتفائلة بالمستقبل، بل لا أصدق أن سوريا ستعود يوماً لتقرر مصيرها بنفسها، النظام دمر البلد وفتح الأبواب لإيران وروسيا ليعبثوا بكل شيء، والآن نتطلع لأن تحقق بلادنا استقرارا حقيقيا دون الوقوع في فخ هيمنة قوى أجنبية أخرى”.
بدوره يؤكد، فواز الحسن، من مدينة دمشق “الأمر لا يتعلق فقط بالتخلص من القوى الخارجية، بل أيضاً ببناء مؤسسات وطنية قادرة على إدارة البلاد بشفافية تحظى بثقة السوريين، فالتخلص من القوى الخارجية ليس كافياً ما لم يتم إصلاح النظام السياسي بالكامل”.
الكفاءة الوظيفية
تعبر، مايا الحبال، من مدينة دمشق عن رؤيتها لمستقبل سوريا، وتقول في حديثها مع موقع “الحرة”، “أتطلع كما غيري من السوريين إلى بناء دولة قائمة على الكفاءة والعلم، حيث تدار المناصب القيادية بجدارة لخدمة المواطنين، لا لخدمة رأس الهرم كما كان الحال في الماضي، كما أطمح إلى تغيير جذري يبدأ من الرياضة والفن، مروراً بالتعليم والخدمات العامة، وصولاً إلى السياسة والاقتصاد، لاستعادة الوجه الحضاري لسوريا بعد عقود من التراجع”.
تحسين العلاقات مع الجوار
أحد الأولويات لدى المعلمة، بشرى رضوان، من مدينة جرمانا في ريف دمشق، هي القضاء على انتشار المواد المخدرة، التي تفشّت بين طلاب المدارس والجامعات، وجعلت سوريا إحدى أكبر الدول المنتجة للكبتاغون.
وتضيف “هذا التحدي لا يقتصر على الداخل السوري فقط، بل يمتد إلى تحسين العلاقات مع الدول الشقيقة، التي تضررت بفعل تهريب الممنوعات إلى أسواقها، مثل الأردن ودول الخليج، كما يتطلب المستقبل تصحيح العلاقات مع لبنان، الذي عانى لعقود من تدخلات النظام السوري، بدءاً من تقوية فريق سياسي على حساب آخر، ووصولاً إلى اغتيال قيادات بارزة، وترهيب رموز سياسية، كما يجب محو ذكريات الطغيان والانتهاكات التي ارتكبها نظام البعث في سوريا ولبنان، والعمل على بناء علاقات متوازنة ومستقرة، تعيد الاحترام المتبادل بين الشعبين”.
جبر الضرر وتعزيز التكاتف
وأوضحت عطفة في حديثها لموقع “الحرة” أن تجاوز الانقسامات وتحقيق المصالحة الاجتماعية في سوريا، يعتمد بشكل أساسي على تحقيق العدالة الانتقالية.
وأكدت أن الوصول إلى السلم الأهلي يتطلب محاسبة عادلة لكل من تورط في قتل الأبرياء من جميع الأطراف، إلى جانب العمل على جبر الضرر للمعتقلين والنازحين.
وشددت على ضرورة وجود برامج للدعم النفسي وإعادة الإعمار وتعزيز قيم تقبل الآخر، وأضافت “بعد تحقيق هذه الخطوات يمكننا الحديث عن سلم أهلي حقيقي”.
فيما يتعلق بالمخاوف النفسية والاجتماعية لدى من يخشون القمع والتهميش، رأت الباحثة أن الحل يكمن في تعزيز التكاتف والتضامن الاجتماعي، وأشارت إلى أن سوريا تمتاز بنسيج اجتماعي متنوع من مختلف الأديان والطوائف، ولا يمكن إقصاء أي طرف”.
وشددت على أن النظام السابق اعتمد على زرع الخوف والفتنة بين الناس، ودعت المؤثرين ورجال الدين والممثلين ووسائل الإعلام، إلى نشر رسائل تطمينية، والابتعاد عن الخطابات التي تثير الذعر، مؤكدة أن الوعي بأن هذه الفترة انتقالية، هو مفتاح تحقيق الاستقرار النفسي.
وعن الماضي القمعي تقول الأخصائية الاجتماعية “اعتدنا على القمع أكثر من 50 عاماً، حيث كنا نخاف من الآخر ونعلم أطفالنا الصمت، لكن اليوم، عندما نرى أن صوت من يعترض يُسمع، وأن آراء الناس تُطَبّق، فهذا يطمئننا أننا لم نعد في زمن القمع”.
وأشارت الباحثة إيفا إلى أن إزالة تماثيل وصور الزعماء وتغيير أسماء المشافي والمدارس التي كانت تمجد النظام القديم، تعطي مؤشراً على انتهاء مرحلة التقديس للحاكم.
وأكدت الباحثة أن التغيير بات ملموساً حتى في أسلوب تعامل المسؤولين والشرطة والجيش مع الناس، حيث أصبح الهدف حماية المواطنين ودعمهم بدلاً من إخافتهم.
وختمت تصريحها بالقول، “الأمر بحاجة إلى وقت لتتكيف الناس مع الوضع الجديد، لكن ذكريات الخوف والقمع بدأت تتلاشى تدريجياً مع القوانين والتعيينات الجديدة، مما يبني جسور ثقة بين الناس والحكومة، ومع الوقت، ستُحل أيضاً الهموم الاقتصادية، مما يعزز شعور الناس بأننا نعيش الآن في واقع أفضل”.
الحرة
Discussion about this post