اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
لم يكشف سقوط نظام بشار الأسد ممارساته وانتهاكاته الوحشية بحق السوريين في المعتقلات الأمنية والمقابر الجماعية فحسب، بل أسدل الستار على مرأى العالم كله وبالجرم المشهود، عن عصابة مؤلفة من رئيس دولة وأزلام كانت تستخدم المخدرات وحبوب “الكبتاغون”، كورقة لتحصيل الإيرادات وابتزاز الدول.
منذ سنوات كان ملف “كبتاغون الأسد” محور تركيز واهتمام دول الإقليم والعالم، وطالما سلطت مراكز أبحاث محلية ودولية ووسائل إعلام، الضوء عليه من منطلق شبكات الإنتاج والتصنيع والتهريب بشتى الوسائل، التي كانت مدارة من قبل النظام ورجاله الأمنيين والعسكريين.
وبينما بقي هذا الملف يدور في إطار الاتهام والأخذ والرد والدعوات المتعلقة بضرورة كبح التهريب باتجاه دول الجوار، أكد سقوط حكم الأسد المؤكد، وكشف عن فكرة أن ما كان يجري داخل منشآته تقف وراءها “سياسة دولة” تجاوزت أنشطتها إرث أساطير المخدرات.
بدت هذه الأنشطة واضحة من الداخل وليس من الخارج هذه المرة، ووثقتها كاميرات الصحفيين الذين دخلوا، خلال الأيام الماضية، إلى معاقل رئيس النظام وشقيقه بشار الأسد والرجال المقربين منهما في العاصمة السورية دمشق وريفها.
يُظهر أحد التسجيلات من مدينة دوما أصنافا متعددة من الفواكه والخضراوات ملقاة داخل منشأة كبيرة، وإلى جانبها محركات وأنظمة جهد وديكورات خشبية وقطع أثاث، وعند فتحها سرعان ما يتبين أنها أدوات تمويه لتخزين الكبتاغون المراد تصديره إلى الخارج.
تسجيلان مصوران آخران نشرهما صحفيون من مطار المزة ومن مقرات ماهر الأسد في يعفور ومنطقة الديماس، ووثقا أيضا ورشات متكاملة الأركان تتم فيها عمليات تصنيع الحبوب المخدرة، بدءا من خلطات المواد الأولية لعملية التصنيع، وصولا إلى الحبة الصغيرة ذات الهلالين.
الأسد يلعب بورقة الكبتاغون
ورقة “الكبتاغون” الخطرة.. ماذا يريد الأسد؟ وكيف يرد الغرب ودول عربية؟
يسعى الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى تخفيف العقوبات المفروضة على نظامه على خلفية الحرب الأهلية الدائرة، منذ عام 2011، من أجل التعاون في محاربة تجارة الكبتاغون، “المخدر الذي يصنع في سوريا ويثير قلق العالم العربي”، وفق صحيفة نيويورك تايمز
وبموازاة ذلك، تم الكشف أيضا وبالصور ومقاطع الفيديو، عن منشآت أخرى في محيط العاصمة السورية، أبرزها في مطار المزة العسكري وفي فرع المخابرات الجوية في دمشق، حيث كانت كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون محشوة داخل أكياس بلاستيكية، منها ما هو معد للتصدير المباشر.
ودائما كان نظام الأسد ينكر ضلوعه بعمليات إنتاج وتهريب المخدرات وحبوب “الكبتاغون”، مرجعا أسباب انتشار هذه التجارة إلى جماعات “خارجة عن سيطرته” وفي مناطق ضربها “الإرهاب” سابقا، في إشارة منه إلى البقع التي سيطرت عليها فصائل المعارضة.
لكن ما كشفته الفيديوهات التي نشرها صحفيون ومسلحون، وثقت أن عمليات إنتاج وتهريب الكبتاغون كانت تتم انطلاقا من منشآت تقع داخل حدود سيطرته الأمنية والعسكرية الخالصة. وحتى أن واحدة من هذه المنشآت كانت مملوكة ويديرها رجل الأعمال المقرب منه، عامر خيتي، الذي أُدرج اسمه سابقا على قوائم العقوبات الأميركية والبريطانية.
“إيرادات وابتزاز”
الفيديوهات التي وثقت ما كان يجري داخل منشآت الأسد لإنتاج الكبتاغون بعد سقوطه، تشير إلى أن النظام كان دائما منخرطا في إنتاج على نطاق صناعي، رغم الرواية التي كان يروجها بأنه لا يوجد أي إنتاج في المناطق التي يسيطر عليها.
كما يثبت، حسب ما تقول كبيرة الباحثين في معهد نيولاينز للدراسات في واشنطن، كارولين روز، لموقع “الحرة”، أن هذه المختبرات والمستودعات كانت ترتبط بشكل وثيق بـ”الفرقة الرابعة مدرعات، وإدارة المخابرات الجوية، وعناصر أخرى من أجهزة الأمن التابعة للأسد”.
وعملت روز على مدى السنوات الماضية على تحقيقات معمقة بالشراكة مع مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، كرم شعار.
وكشف الباحثان في هذه التحقيقات، عن كامل خيوط شبكات “الكبتاغون” التي كانت تنبع من منشآت ومناطق سيطرة الأسد.
ما تم الكشف عنه سابقا أثبت لأكثر من مرة ضلوع نظام الأسد في عمليات التصنيع والتهريب، ودفع الولايات المتحدة إلى سن قانون خاص، وجاءت الدلائل البصرية لتؤكد أن ما نشر سابقا كان صحيحا، وفقا لما يضيفه شعّار لموقع “الحرة”.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت سلسلة عقوبات في هذا الخصوص، أولها قانون “كبتاغون” بنسخته الأولى، الذي استهدف بالتحديد شخصيات من آل الأسد ضالعة في عمليات التصنيع والتهريب والاتجار.
ففي سبتمبر 2020، أقرّ مجلس النواب الأميركي قانون مكافحة اتجار الأسد بالمخدرات وتخزينها، ويختصر اسم القانون باللغة الإنكليزية بـ “كبتاغون”، بينما شهد العام الجاري إقرار قانون كبتاغون بنسخته الثانية، الذي يدعو إلى تعطيل وتفكيك شبكات المخدرات المرتبطة بنظام الأسد.
ويقول شعار: “العمل الذي يتم وتم الكشف عنه وآلية التصنيع والإنتاج مرعب ويوضح أن الأمر بمثابة سياسة دولة. دولة الأسد هي من كانت ترعى هذا الموضوع”.
ويضيف أن التسجيلات المصورة تكشف عن أسماء جديدة على صعيد عمليات الإنتاج والتهريب، مثل خيتي المدرج على قوائم العقوبات. وتكشف أيضا عن مصادر المواد الأولية، بينها الصين والهند.
والعام الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عدد من السوريين المرتبطين بشكل وثيق بنظام الأسد، بسبب تورطهم في تجارة الكبتاغون.
وقالت الخزانة الأميركية إن “النظام السوري وحلفاءه لجأوا بشكل متزايد إلى إنتاج وتهريب الكبتاغون لتوليد العملة الصعبة، والتي يقدرها البعض بمليارات الدولارات”.
ومن بين الذين فرضت عليهم العقوبات اثنان من أبناء عم بشار الأسد وخالد قدور، وهو شريك مقرب من ماهر الأسد الذي وصف بأنه “منتج رئيسي للمخدرات ومسهل” لإنتاج الكبتاغون في سوريا.
ولا يعرف حتى الآن مكان كل من قدور وخيتي الذي ظهر اسمه على الكثير من الملصقات داخل منشأة دوما الأكبر على صعيد إنتاج “الكبتاغون”، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية رجالات الأسد الأمنيين الآخرين، وشقيقه ماهر الأسد.
“الفقر جنزير السباع!”.. خفايا “حمّالة الكبتاغون” بين سوريا والأردن
تسلط إحصائية حصل عليها موقع “الحرة” الضوء على خفايا نادرا ما يتم التطرق إليها عندما يتم الإعلان عن إحباط عمليات تهريب مخدرات وحبوب كبتاغون من الداخل السوري باتجاه الأردن، وتكشف تفاصيل آخر “المهام” التي توكل لـ”الحمالة أو العتالة”، كما يُطلق عليهم محليا.
وفي عام 2023، كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، قد وضعت أيضا استراتيجية لمكافحة تجارة الكبتاغون، قائلة إن الغالبية العظمى منها “يتم إنتاجها من قبل فصائل سورية محلية مرتبطة بنظام الأسد وحزب الله”.
وأضافت إدارة بايدن في بيان سابق، أن “كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون هذه يتم شحنها من الموانئ السورية مثل اللاذقية، أو يتم تهريبها عبر الحدود الأردنية والعراقية”.
“ضعف صادرات سوريا القانونية”
ومن الصعب تحديد الأرباح التي جناها نظام الأسد من تجارة الكبتاغون، إلا أن تحقيقا أجرته مجلة “دير شبيغل” الألمانية قدّر قيمة الإيرادات التي درّها هذا المخدّر في عام 2021 بحوالى 5.7 مليارات دولار، فيما قدّرت مصادر أخرى الرقم بما يصل إلى 30 مليار دولار للعام نفسه.
وفي الواقع، بلغ الناتج القومي الإجمالي لسوريا وفقا للبنك الدولي، 8.9 مليارات دولار عام 2021، مُسجلا تراجعا كبيرا عن 60.04 مليار دولار في 2010.
ويظهر ما سبق، فقدان الدخل الذي تكبّدته حكومة الأسد سابقا جراء الصراع، والدور الكبير الذي اضطلعت به تجارة الكبتاغون في الاقتصاد، حسب ورقة بحثية لمركز “كارنيغي”.
ماهر الأسد شقيق الرئيس أحد المستهدفين في القانون الأميركي الجديد
يستهدف أقارب للأسد.. ما هو قانون “الكبتاغون 2” الأميركي؟
قبل عام ونصف وقّع الرئيس الأميركي، جو بايدن، على قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي وتضمن آنذاك “قانون مكافحة إتجار الأسد بالمخدرات وتخزينها”، والذي عرف باسم “قانون الكبتاغون”.
ويوضح شعار أن موارد الكبتاغون التي صبت في خزائن نظام الأسد، “تقدر بين 1 و2 مليار دولار عندما كانت التجارة في ذروتها قبل عام”، ويقول إن “هذا المبلغ يعادل ضعفي صادرات سوريا القانونية، ويساوي تقريبا موازنة سوريا كاملة”.
وتعتقد كبيرة الباحثين في نيولاينز روز، أن الأسد “تمكن من تحقيق إيرادات تتراوح بين 2 إلى 3 مليارات دولار عندما كانت التجارة في ذروتها (2021-2022)، كبديل لمصادر الدخل في ظل العقوبات”.
روز ترى أيضا أن كشف هذه المصانع بعد سقوطه يشير إلى أن الأسد كان يستخدم “الكبتاغون” ليس فقط كمصدر بديل للإيرادات، “بل أيضا كوسيلة للضغط على نظرائه الإقليميين في المفاوضات”.
وتقول إن الفيديوهات “كشفت المواد الأولية المستخدمة في عمليات تصنيع الحبوب، وهي من إنتاج دول من بينها بريطانيا والصين والهند وسلطنة عمان والسعودية ولبنان، حسب الملصقات”.
هل تنتهي التجارة بسقوط الأسد؟
في مقابل ما سبق، تشير العديد من الدراسات إلى أن تجارة الكبتاغون ارتفعت بشكل كبير خلال العقد الماضي. وذكر “معهد الشرق الأوسط” أنه في عام 2021، تم ضبط ما يقرب من 6 مليارات دولار من الكبتاغون المصنوع في سوريا في الخارج.
وفي أبريل 2022 وحده، تم اعتراض 25 مليون حبة كبتاغون في البلدان المجاورة، بقيمة حوالي 500 مليون دولار.
بناء على هذه الأرقام، يتحدث خبراء عن تجارة لها أصدقاء وحلفاء وشركاء في بعض المساحات الدولية والإقليمية، وبينما يرجح البعض منهم انتهاء عمل شبكات التهريب، يقول آخرون إنه يجب عدم توقع أن يستسلم “حيتان التجارة” المخالفة للقانون، بعد سقوط الأسد.
وتقول روز إن سقوط الأسد “من المرجح أن يؤدي إلى انخفاض في إمدادات الكبتاغون على المدى القصير”. وتتابع حديثها بالقول: “لكن هذه التجارة لن تختفي فجأة، إذ سيحاول المهربون تنويع طرق التهريب وتوسيع نطاق التجارة خارج سوريا، خاصة أن مستويات الطلب لم تتغير”.
“هجموا أهلنا الأحرار حرقوا المقر له، انسحب باتجاه البيت. بقي يقاوم حتى الليل”، وعندما دخلت الفصائل المسلحة منزل راجي فلحوط وجدوا مكبس “كبتاغون”، هكذا يصف قائد تجمع أحرار جبل العرب، سليمان عبد الباقي لـ”الحرة” كيف نالت تجارة الكبتاغون من محافظة السويداء في سوريا.
ومن جانبه، يشرح الباحث السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، أن سقوط نظام الأسد يعني “سقوط المساحة الجغرافية التي كانت تستخدم لإنتاج الكبتاغون، لكن هذا لا يعني انتهاء مورد المواد الأولية والموزع والمستهلك”.
ويقول لموقع “الحرة”، إن “شبكات الكبتاغون قد تبحث في المرحلة المقبلة عن جغرافيا بديلة أو طرق بديلة، للاستفادة مما تبقى لها في سوريا”.
“نظام الأسد كان جزءا من شبكة إجرامية، وله دوره كبير في الإنتاج والتصدير، لكنه يبقى حلقة وسطى بين حلقتين أساسيتين (بدائية ونهائية)”، وفقا للباحث.
ويرجح أن تبدأ شبكات “الكبتاغون” البحث عن طرق بديلة، بالتوازي مع اتجاهها لدراسة الخيارات المتاحة أمامها في مرحلة ما بعد سقوط الأسد.
وبدورها، أكدت الفصائل المسلحة التي دخلت إلى دمشق قبل يومين، أنها بصدد ملاحقة كامل خيوط شبكات إنتاج الكبتاغون.
وقال قائد “هيئة تحرير الشام” (المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى)، أحمد الشرع الشهير بأبي محمد الجولاني، إنهم سيضعون حدا لهذه التجارة التي كان يقودها الأسد.
وفي هذا الصدد، يعتبر شعار أن “المبادئ الدينية لدى تحرير الشام واضحة، إذ ترفض موضوع المخدرات إطلاقا وهذا رأيناه في إدلب سابقا”، كما يرى أن “موضوع الكبتاغون وإنتاجه في سوريا سينتهي.. حيث أصبح مسار التجارة الآن في طور الانتهاء”.
الحرة – ضياء عودة
Discussion about this post