اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
في 24 سبتمبر 2024، بينما كانت وزارة الصحة اللبنانية تُعلن عن ارتفاع عدد ضحايا الهجوم الإسرائيلي إلى 558 شهيدًا و1835 جريحًا، كانت إدارة تحرير صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية تجهز مقال رأي لنشره في اليوم التالي، يؤكد أن لبنان “جزء من أرض إسرائيل الموعودة التي ستعيدها العناية الإلهية قريبًا”.
أثار المقال، الذي نُشر باللغة الإنجليزية، موجة من الغضب بين القراء، خاصة في ظل تزايد عدد الضحايا المدنيين في لبنان نتيجة الهجمات الإسرائيلية، مما دفع الصحيفة إلى حذفه بسرعة.
نظرة عامة على المقال
بدأ المقال بالإشارة إلى أن نصوص التوراة تحتوي على رسائل عميقة يمكن تطبيقها على الأحداث الحالية، حيث أشار الكاتب إلى أن رؤية الحاخام شاي تاهان قد تساهم في فهم هذه الرسائل بشكل أفضل. وطرح الحاخام تساؤلات حول الحدود الشمالية لأرض إسرائيل، وما إذا كانت ملزمة بغزو المناطق الواردة في الوعد الإلهي.
استند الحاخام إلى آيات من التوراة وآراء رجال الدين لتأكيد أن لبنان جزء من حدود إسرائيل، وأن الإسرائيليين يتحملون واجبًا دينيًا تجاه غزو لبنان.
المؤلف، مارك فيش، هو منتمٍ لحركة دينية إسرائيلية تُعرف باسم “شوفا إسرائيل”، ويشير في نهاية كل مقال إلى أن كتابته تأتي بالتعاون مع هذه الحركة. تأسست الحركة في عام 1997 على يد الحاخام يوشياو يوسف بينتو، الذي يعد من الشخصيات المثيرة للجدل في إسرائيل.
تصريحات متعلقة بفكرة إسرائيل الكبرى
شدد المقال المحذوف على أن فكرة “إسرائيل الكبرى” تتزايد في النقاشات السياسية والدينية، حيث تمتد الأرض الموعودة من نهر مصر إلى الفرات. ونوه الحاخام في مقاله إلى تفاصيل كيفية التعامل مع الأراضي الزراعية في هذه المناطق الموعودة في حال تم استعادتها.
في هذا السياق، تساءل: “ما الذي ينتظره الإسرائيليون اليمينيون في القريب العاجل؟”
تحليل للأحداث السياسية
أثارت تصريحات الصحفي ينون ماجال، عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، قلقًا عندما صرح بأن “المسيح وحده قادر على أن يحل محل نتنياهو”. هذا المفهوم عن قرب مجيء المسيح والارتباط بالحرب الحالية بات أكثر شيوعًا في إسرائيل، حيث بدأ يتزايد الحديث عن “الوعود التوراتية” كذريعة للاستيلاء على أراض عربية جديدة، بما في ذلك لبنان.
التاريخ من منظور اليمين الإسرائيلي
شهد التاريخ الإسرائيلي محاولات مستمرة للاستيلاء على لبنان، بدءًا من غزو عام 1982، والذي شهد دعوات من حركة غوش إيمونيم للاستيطان في كل أنحاء أرض إسرائيل الموعودة. وجاءت تلك الدعوات مدعومة بجهود من شخصيات سياسية وعسكرية مؤثرة.
المفكرون والدعاة الدينيون، سواء في إسرائيل أو في الخارج، يواصلون تأويل نصوص العهد القديم لدعم الممارسات الاستعمارية الإسرائيلية، مما يعكس تداخل الدوافع الدينية مع الأهداف السياسية.
في الختام، يبدو أن الطموحات الإسرائيلية تجاه لبنان لم تكن مجرد نزعة عابرة، بل تمثل جزءًا من رؤية أوسع تتعلق بتوسيع حدود إسرائيل بما يتماشى مع تأويلاتهم الدينية.
تُظهر التطورات الأخيرة أن قوة اليمين الديني في إسرائيل تتزايد باستمرار، حيث تستغل هذه الجماعات آيات من العهد القديم لتبرير الاستيلاء على لبنان.
من بين هذه الآيات، نجد في سفر التثنية: “تَحَوَّلُوا وَارْتَحِلُوا وَادْخُلُوا جَبَلَ الأَمُورِيِّينَ…” (تث 1: 7) وأيضًا ما ورد في سفر يوشع: “مُوسَى عَبْدِي قَدْ مَاتَ…” (يش 1: 2). بالإضافة إلى آيات تشير إلى الأراضي التي ينبغي أن يمتلكها الشعب اليهودي، مثل: “كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ…” (يش 1: 3) و”يَطْرُدُ الرَّبُّ جَمِيعَ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ مِنْ أَمَامِكُمْ…” (تث 11: 23).
وفقًا لأكاديميين مختصين في “جغرافية الأراضي المقدسة”، تُحدد الحدود الموعودة لأرض إسرائيل نوعين: حدود أولية تمثل النواة الأساسية للغزو الصهيوني، وحدود أخرى أكبر تمتد حتى نهر الفرات. ويعتبر بعضهم أن لبنان جزء من هذه الحدود الموعودة.
ويشير أحد المحللين إلى أن فشل إسرائيل في حروبها السابقة ضد لبنان يعزى إلى عدم فهم الحكومة للطبيعة الحقيقية للعلاقة بين لبنان وإسرائيل. في هذا السياق، يروي أحد الجنود السابقين أنه عندما استولى هو وزملاؤه على تين من لبنان، اعتبر أن هذه الفاكهة هي حقهم، وقرأ الدعاء المناسب عليها.
حتى عام 2024، كان الحديث عن السيطرة على لبنان من قِبَل اليمين الديني موضوعًا يُناقش بشكل نادر، لكن التحولات السياسية والاجتماعية تشير إلى أن هذه الأفكار بدأت تتجذر. كما أشار الصحفي الإسرائيلي أنشيل فايفر إلى أن الحركات التي كانت تُعتبر هامشية قد تحولت إلى قوى مؤثرة في المجتمع.
كما يُظهر الخطاب الديني السائد بين بعض الحاخامات والمفكرين تأكيدًا على ضرورة استعادة لبنان كجزء من “الأرض الموعودة”. وأحد الأمثلة على ذلك هو الخطاب الذي ألقاه الحاخام إسحاق جينسبيرج، الذي دعا بشكل صريح إلى غزو لبنان.
يتزامن هذا مع نشاطات جماعات مثل “أوري تسافون” التي تناقش سبل الاستيطان في لبنان، حيث يعتبرون لبنان دولة فاشلة يجب على إسرائيل استغلالها. وقد دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أيضًا إلى احتلال جنوب لبنان إذا استمرت التوترات مع حزب الله.
يشير تقرير من صحيفة هآرتس إلى أن الأوهام الدينية في إسرائيل عادة ما تتحول بسرعة إلى سياسات حكومية، مع تزايد مؤشرات تؤيد فكرة إنشاء مستوطنات في لبنان.
بشكل عام، تكشف هذه الديناميات عن رغبة بعض الأطراف في إسرائيل في توسيع حدودهم مستندين إلى تأويلاتهم للنصوص الدينية، مما يثير قلقًا من إمكانية أن يصبح لبنان الهدف التالي لمخططاتهم.
الجزيرة
Discussion about this post