اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
زياد غصن
عادت واشنطن لتلوّح مجدّداً بـ«عصا» العقوبات في مواجهة دمشق، سواء عبر تمديد العمل بعقوبات سابقة جرى فرضها في مراحل زمنية مختلفة من تاريخ العلاقات الثنائية المضطربة، وفي مقدّمها تلك التي نصّ عليها «قانون قيصر» الشهير، أو عبر الدفع بتطبيق مزيد من العقوبات الجديدة الهادفة إلى محاولة «خنق» البلاد سياسياً واقتصادياً، كـ«قانون مناهضة التطبيع مع الأسد»، والذي لم تصادق عليه إدارة الرئيس جو بايدن. وعلى رغم أن الذي تقدَّم بمقترح تشديد العقوبات هو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، مدعوماً بما يسمى «التحالف الأميركي – السوري»، إلا أن ذلك لا ينفي وجود صلة للبيت الأبيض بهذا التصعيد، خصوصاً في ضوء احتدام الصراع في المنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والمستمرّ منذ تشرين الأول الماضي. وبحسب ما يعتقده عضو المكتب السياسي في «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، طارق الأحمد، فإن «التراجع الأميركي عن خطوات «الفرملة» المُتخذة سابقاً، ولا سيما لجهة عدم مصادقة بايدن على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، مرتبط بما يحدث في المنطقة من ارتفاع سخونة المواجهة بين محورَين». ويضيف، في تصريح إلى «الأخبار»، أنه ولكون سوريا «تمثّل واسطة العقد بين المحورين، ولأنها في نظر واشنطن تشكّل اليوم بعد ما مرّت به بسبب الحرب، خاصرة رخوة يمكن استثمارها، فإن الضغط عليها يبدو في نظر الإدارة الأميركية مجدياً».
تجويع أكثر
يتضمّن المقترح الجديد، والذي يراد إدراجه ضمن «قانون إقرار الدفاع الوطني»، تفعيل خمسة توجهات جديدة بغية تعزيز الحصار على دمشق وترسيخ الوضع القائم حالياً في بعض المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية. ويتمثل أول هذه التوجهات، في تمديد العمل بـ«قانون قيصر» لأربع سنوات قادمة، ثم العمل على تطبيق «قانون مناهضة التطبيع مع الأسد» والذي لم يصادق عليه بايدن سابقاً، فتمويل ما يُسمى «دعم الاستقرار في شمال غرب سوريا». أما رابع التوجهات، فيتمثّل في دعم تمويل منظمة «الخوذ البيضاء». وأخيراً، يتحدّث المقترح عن تأييد تثبيت الإعفاءات الإنسانية للغذاء والدواء من أنظمة العقوبات، والتي أثبتت تجربة السنوات الأربع السابقة، منذ دخول «قيصر» حيّز التنفيذ منتصف عام 2020، أنها إعفاءات وهمية، وستبقى كذلك بحكم استهداف العقوبات القنوات المصرفية والتأمينية وزيادة الامتثال الدولي للعقوبات.
وفي هذا الإطار، يشير الاستشاري والباحث الاقتصادي، فادي عياش، إلى أن «الكونغرس لم يتمكّن سابقاً من إقرار قانون قيصر بشكل مباشر على رغم محاولاته المتكرّرة، فكان أن تمّ تمريره ضمن قانون إقرار الموازنة الأميركية. وهذا ما يزيد من التعقيد في طريقة التعامل معه أو التعديل عليه». ولذلك، فإن عياش يعتقد بأن «الخطوة الأخيرة هدفها تمرير قانون مناهضة التطبيع ضمن مشروع الموازنة، بما يتضمّنه من محاولة منع انهيار الحصار السياسي المفروض على دمشق من ناحية، وتمديد العمل بقانون قيصر حتى عام 2032 من ناحية ثانية، ليصبح الأمر واقعاً إذا ما فاز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية».
ومن شأن الأخذ بالمقترح الجديد، وإدراجه ضمن «قانون إقرار الدفاع الوطني»، أن يفاقم معاناة السوريين، والتي تكشف التقديرات الرسمية والأممية أن مؤشراتها الأساسية زادت بشكل مضاعف منذ تطبيق «قانون قيصر»، في منتصف شهر حزيران من عام 2020؛ فمثلاً، ارتفعت نسبة الفقر الشديد بين السوريين بشكل رسمي من حوالى 38.9% في عام 2019 إلى حوالى 58.1% في عام 2023، كما أن نسبة الأسر المعرّضة لانعدام أمنها الغذائي زادت من حوالى 35.3% في عام 2019 إلى حوالى 43.6% في عام 2023. على أن الأثر الأهمّ والأكثر وضوحاً، يكمن في تراجع نسبة الأسر الآمنة غذائياً من حوالى 35.8% في عام 2019، إلى حوالى 9.4% في عام 2023. أيضاً، أشارت دراسة بحثية لـ«الإسكوا» صدرت أخيراً، إلى أن العقوبات «تعطّل توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية والمساعدات الإنسانية، ما يحدّ بشكل مباشر من الوصول إلى الإمدادات الطبية واستيراد المعدّات والمواد التعليمية، والمياه، والصرف الصحي والصحة». كما «يؤثّر نقص بعض السلع أو عدم توافرها في البلاد، بشكل مباشر، على الخدمات الأساسية وتوافر المدخلات اللازمة لسبل عيش الناس وتكلفتها. فعلى سبيل المثال، تمّ إلغاء المنتجات الصيدلانية التي كان يتمّ تصنيعها محلياً بموجب تراخيص من الشركات الأجنبية بسبب العقوبات، وهناك حواجز أكبر أمام استيراد الآلات والمدخلات الزراعية».
ويختصر الباحث عياش كل ذلك، بالقول: «إذا تمّ تمرير المقترح الجديد، فإننا سنكون أمام استمرار للصعوبات والعوائق التي أوجدها قانون قيصر على الاقتصاد السوري. والأسوأ منها، هو تشدّد أطراف أخرى في تطبيق تلك الإجراءات خوفاً من العقوبات الأميركية، الأمر الذي يزيد من تعقيد الوضع في الاقتصاد والمجتمع السورييْن. وهذا يقتضي البحث في وسائل تجنّب هذه الإجراءات وتخفيف تشدّد الأطراف الأخرى في تطبيقها بما يسمح بالتعافي المبكر»، علماً أن «المنظمات الدولية وغير الحكومية يمكنها لعب دور مؤثّر في هذا الإطار».
مأزق إقليمي
لكن إذا كان «قانون قيصر» وما سبقه من عقوبات، قد أضرّ كلُّ ذلك اقتصادياً، في جانب منه، بالشركاء الاقتصاديين لسوريا من شركات ومستثمرين عرب وأجانب، فإن تمرير «قانون مناهضة التطبيع مع الأسد» من شأنه المسّ بشكل مباشر وأساسي بسيادة ومصالح دول كثيرة، من بينها تلك المرتبطة بعلاقات استراتيجية مع واشنطن، وهو ما يجعل من تمرير القانون، من وجهة نظر طارق الأحمد، يمثّل «تصعيداً بالغ الخطورة، وهو خطوة إن حصلت، فإن الحرب ستقع بعدة أشكال، لأن الدول التي تقيم علاقات مع دمشق ستكون خاضعة للعقوبات الأميركية، ونحن نتحدّث هنا عن حلفاء للولايات المتحدة سيكونون بذلك أمام خيارين: الأول، قطع علاقاتهم مع سوريا بشكل كامل تجنّباً للعقوبات، ونحن هنا لا نتحدث عن علاقات مع الحكومة فقط، وإنما عن علاقات أوسع تشمل الأفراد والكيانات والهيئات، ومثل هذا الخيار يمثّل مأزقاً للدول المعنية. والخيار الثاني، مواجهة العقوبات الأميركية التي تمثّل انتهاكاً لسيادة الدول واستقلالية قرارها السياسي والاقتصادي عبر الاستفادة من التطبيق المطّاط للقانون المذكور». وبالنتيجة، فإن «الأثر الاقتصادي للخطوة الجديدة سيكون كبيراً بحجم الحرب التي سوف يفجّرها»، كما يقول الأحمد
Discussion about this post