اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
لم نعهد ان يتم طرح هذا السؤال بهذه الجدّية خلال فترة من الزمن، على الرغم من الصراع العنصري القبيح الذي غالباً ما يدور بين اصحاب البشرة السوداء ومواطنيهم من البشرة البيضاء، الا ان الامور لم تصل الى حدّ التخوف من حرب اهليّة، بل كانت تقتصر على المواجهات والمماحكات وبعض اعمال الشغب المتفرقة التي سرعان ما يتم تطويقها. الشرارة الاكثر جدية من الحرب الاهلية اندلعت مع اعلان نتائج الانتخابات الرئاسيّة في العام 2020، حيث خسر الرئيس الاميركي في حينها دونالد ترامب امام الرئيس الحالي جو بايدن، ورفض الاول قبول النتيجة، وذهب الى ابعد ما يكون حين دعم مناصريه الذين اقتحموا مبنى الكابيتول وعاثوا الفوضى في مشهد لم يحصل في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية. وقد ترافق ذلك مع مواجهات حامية بين مناصري بايدن ومناصري ترامب في عدد من الولايات، فيما اصرّ ترامب على عدم التسليم بالنتيجة الى ان تراجع بعدها وأقسم بايدن اليمين الدستوريّة.
وفي حين اعتقد الكثيرون ان هذه الحوادث قد اخذت حقها وطويت صفحتها، كان ترامب خلال حملاته الانتخابية يعطي صورة مغايرة تماماً، اذ اعاد تحفيز مناصريه ووعد بالعفو عن كل الذين تمّت ادانتهم في قضية اقتحام مبنى الكابيتول، لا بل حذّر من اراقة الدماء اذا لم يعد الى البيت الابيض. الخوف الحقيقي من اندلاع الحرب الاهلية غذّته تصريحات بايدن والقضاء الاميركي على حد سواء، ولو من زاويتين مختلفتين: القضاء اعلن عن حصانة ترامب (والرؤساء الاميركيين) عند اتخاذهم قرارات خلال ولايتهم الرئاسيّة، وبايدن من خلال رفضه لهذا القرار بشكل سلمي ودعوته الشعب الى اخذ المسؤولية من القضاء وقطع الطريق امام منافسه الجمهوري للوصول الى البيت الابيض مرة اخرى.
ووفق ما يقوله العديد من المحللين والمتابعين للشأن الاميركي، فإن الخوف من قرار المحكمة العليا، يكمن في ان اي رئيس اميركي يمكنه اتخاذ القرار الذي يشاء (حتى ولو عنى ذلك القيام بأمور غير قانونيّة، او اعطاء الاوامر للجيش او الاجهزة الامنيّة بتصفية او اغتيال شخصيات اميركيّة او اجنبيّة لا تحمل صفة الارهاب او الاجرام…) مع اطمئنانه الى انه سيكون خارج اطار الاتهام او الدعاوى القضائيّة. وقد تمت الاضاءة على قضية مبنى الكابيتول تحديداً، لانّها حصلت ضمن فترة ولاية ترامب وبغطاء منه، ما يعني انه سيكون خارج اطار المحاسبة القضائيّة في مسألة شكّلت سابقة في التاريخ الاميركي، وهذا يعني انه اذا ما عاد الرئيس السابق الى البيت الابيض فسيكون هذه المرة اكثر حرّية في اتّخاذ القرارات التي يشاء من دون ايّ قيود، وهذا بحدّ ذاته ما يقلق الاميركيين من احتمال اندلاع حرب اهليّة بسبب الانقسام الكبير في الآراء من مواقف ترامب، فإذا كان نصف الشعب الاميركي يؤيّده، فإنّ النصف الآخر يعارضه بشدة ولا يرى ان افكاره سليمة او مفيدة للبلاد.
من هنا، بدأت الحملات الاعلاميّة للديمقراطيين التي تشدّد على ضرورة منع ترامب من تحقيق الانتصار في الانتخابات، في محاولة للتعويض عن الضربة التي تلقّوها بعد المناظرة الرئاسية الفاشلة بالنسبة اليهم، ولاقناع الناخبين بأن الخطورة ليست في عجز الرئيس الحالي وعدم تركيزه، بل في قيادة المرشح الجمهوري البلاد الى مشارف الحرب الاهلية التي لا يجب التعاطي معها باستخفاف بعد اليوم، واصبحت مطروحة بشكل جدي على الطاولة، بفعل قرار المحكمة العليا التي لم تستطع اقناع احد بأنّها لم تعطِ ترامب براءة مطلقة على افعاله انما بعض الامور المحددة.
المسارات دخلت مرحلة الجدية، والاشهر المقبلة قد تحدد مستقبل الولايات المتحدة وربما العالم اجمع، في واحدة من اهم الانتخابات التي شهدتها اميركا.
النشرة – طوني خوري
Discussion about this post