اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
نبيه البرجي
اذا كانت الحرب العالمية الثانية قد انتهت بالقنبلة النووية، من الممكن، أو من الضروري، أن تبدأ الحرب العالمية الثالثة بالقنبلة النووية. ولكن أين؟ في شنغهاي أم في بيونغ يانغ أم في بطرسبرغ أم في طهران؟ ربما في لوس انجلس أو في كييف، ناهيك بباريس وبرلين.
الأميركيون الذي تقهقروا في أوكرانيا، وقد بدأت عظام فولوديمير زيلينسكي تهتز على وقع الضربات الروسية، عادوا الى التصعيد (النوعي) بالاجازة للرجل استخدام الأسلحة الأميركية ضد أراض روسية، ما استدعى موقفاً صارخاً من فلاديمير بوتين بالرد النووي.
هذا بات ممكناً جداً خصوصاً بعد الدعوة الأخيرة من ايمانويل ماكرون، والتي تدل الى أن هناك داخل المعسكر الغربي من يفكر في اللجؤ الى الخيار النووي، كما لو أن بطرس الأكبر، أو ايفان الرهيب، من حاول غزو باريس أو برلين لا نابليون بونابرت، ولا أدولف هتلر، من دفع بمئات آلاف الجنود لغزو موسكو، ليسقطوا، في ظروف تراجيدية، بين الثلوج، والنيران، الروسية.
لا نتصور أن فلاديمير بوتين، بشخصيته الحديدية، يمكن أن يكون بوحشية هاري ترومان الذي ألقى القنبلة على كل من هيروشيما وناكازاكي، كمظهر من مظاهر “فانتازيا القوة”، ولا بوحشية جو بايدن الذي زوّد بنيامين نتنياهو، كاستكمال لفانتازيا القوة، بآلاف الأطنان من القنابل لابادة أهل غزة، ليهدد، في الأيام الاخيرة ، بابادة سكان الضفة، بعدما فكروا، بايعاز من “رب الجنود”، بتدمير بيروت ودمشق وحتى القاهرة!
ما يظهر على المسرح الدولي يشير الى أن غالبية حكام أوروبا قد فقدوا وعيهم. ما الذي يدعو الرئيس الفرنسي الى اتبّاع تلك السياسات الهوجاء ضد روسيا؟ وما الذي يجعل المستشار الألماني أولاف شولتس يتناسى ما فعله جنون ادولف هتلر ببلاده؟ وهل يمكن أن تمضي دولة ديكارت، ودولة هيغل، الى ذلك النوع الانتحاري، من التبعية لديناصورات السلطة في الولايات المتحدة، وهم الذين عرّوا القارة العجوز من ملابسها الداخلية؟
تعليقات غربية توحي بأن التصعيد الآن في اتجاه السلام لا في اتجاه الحرب. بعد ذلك الغرق في الوحول، وفي النيران الأوكرانية، بدا واضحاً ارتفاع أصوات كثيرة ترى وجوب الخروج من الدوران العبثي داخل الحلقة المقفلة. ولكن هل لكل تلك القوى التي عجزت عن كسر روسيا عسكرياً أن تنجح في كسرها ديبلوماسياً؟
الغريب، في الوقت الحالي، أن واشنطن التي ترى في بكين القوة الوحيدة التي تهدد قيادتها، وفي ظل الاستقطاب الأحادي، للعالم، كما تتهمها بتقديم خدمات عسكرية نوعية للكرملين، تراهن عليها لاقناع بوتين بوقف تقدمه على الأرض الأوكرانية، والقبول بالشروط (المستحيلة) للانتقال من الميدان الى الردهة الديبلوماسية، بعدما تبيّن أن الحاق السويد، وفنلندا، وبضغط أميركي، بالعربة الأطلسية لم يؤثر في سياسات القيصر الذي يسخر مما يعتبرها الفلسفة الدونكيشوتية لادارة جو بايدن.
لا نتصور أن الروس سيتراجعون قيد أنملة عن تصميمهم على اعادة هيكلة السلطة في كييف، وبطبيعة الحال، اعادة هيكلة مسارها الاستراتيجي، بعدما كان زبغنيو بريجنسكي قد رأى، ومنذ عقود، ألاّ دولة روسية، وألاً أمبراطورية روسية، دون أوكرانيا، بالتداخل الجغرافي، والتاريخي، وحتى الأنثروبولوجي، بين البلدين.
هنا كيف يفكر “الوسيط الصيني”، أو من دعته صحيفة “الواشنطن بوست” بـ “التنين ذي القدمين الحريريتين”؟ كقوة تبغي فرض حضورها على المسرح الدولي، ترى أن الأميركيين الذين خططوا لنصب صواريخهم على الحدود الأوكرانية مع روسيا، خططوا أيضاً لنصب صواريخهم على ذلك القوس الباسيفيكي الذي يشمل اليابان، وكوريا الجنوبية، والفيليبين، وصولاً الى استراليا، والذي يلتف حول الصين.
انه التماهي بين الجنون الاستراتيجي الأميركي والجنون الايديولوجي “الاسرائيلي”. هناك وضع اليد على الكرة الأرضية، وهنا وضع اليد على الشرق الأوسط.
اذ يزداد المشهد الدولي تلبداً، لكأننا عشية حرب قد تودي بنا الى نهاية التاريخ، بل والى نهاية العالم، يبدو أن ثمة من ينبش قبر كونفوشيوس لا قبر ماو تسي تونغ، ليقول للقوى العظمى “رجاء، كونوا، ولو للحظة، مخلوقات بشرية”.
لكنه زمن الآذان الصماء، والعيون الصماء، والأدمغة الصماء. ثمة كاهن من المارتينيك (ستيفانو ألماريز) دعا الله الى أن يأخذ بالاعتبار “أننا، كمخلوقات رغماً عنا، نستحق الرأفة بنا”!
Discussion about this post