اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
نبيه البرجي
الأميركيون يكرهونه. الروس يكرهونه. العرب أيضاً يكرهونه. كذلك اليهود. الايرانيون، على الأقل، لا يحبونه. لكن جميع هؤلاء بحاجة اليه. الأوروبيون يتحدثون عن “الظاهرة الاردوغانية” كـ “ظاهرة فرويدية”.
أخفق في سورية بعد رهان عبثي على أن تكون دمشق بوابة العودة الى السلطنة العثمانية، فذهب الى قطر، والى ليبيا، والآن الى الصومال، موازاة مع السعي لاقامة “العالم التركي” باتجاه آسيا الوسطى، والقوقاز. دون أن يعبأ بتحذير جنكيز تشاندار له ” لا تدع رأسك يتدحرج مثلما تدحرجت رؤوس السلاطين”…
في لحظة ما، ولدى استيلاء “الاخوان المسلمين” على السلطة في مصر، وهم النيوانكشارية للنيوعثمانية، كان يظن أن من يمسك بمفاتيح القاهرة ودمشق انما يمسك بمفاصل العالم العربي. حلمه بالنفط جعله يشن حملة ضروس على الأمير محمد بن سلمان، في استثمار مسرحي لمقتل جمال خاشقجي، لنرى بعد سنوات كيف انقلب على نفسه. ها هو في قصر اليمامة وفي قصر الاتحادية، طالباً الصفح عما اقترفت يداه.
الصحافي التركي كمال أوزتورك افترض أن الشرق الأوسط طاولة بأربع “أرجل” (تركيا، ايران، مصر، السعودية). هذه الدول التي عانت الكثير من السياسات، والاستراتيجيات، العفنة للغرب، باستطاعتها تشكيل قوة تحميها، وسائر بلدان المنطقة من تداعيات الصراعات الكبرى، والتي قد لا تقتصر على البلقنة. اعادة تقطيع الخرائط بالسكين، وبعمليات جراحية معقدة .
أوزتورك استوحى صورة الطاولة بأربع أرجل من تجربة فرنسا وبريطانيا وايطاليا وألمانيا (اضافة الى دول البينيلوكس)، وقد تجاووت ملايين الجثث التي سقطت ابان الحرب العالمية الثانية، لتلتقي، عام 1957، في “بلازو دي كونسرفاتوري” في روما، للتوقيع على اتفاقية انشاء الاتحاد الأوروبي. والحقيقة أن الطاولة كانت بثلاث أرجل لرفض شارل ديغول مشاركة بريطانيا.
الصحافي التركي انطلق من رؤية اسلامية لذلك الكونسورتيوم الرباعي، وهو الذي يعلم أن مصطلح “العالم الاسلامي” مصطلح افتراضي رث، وبعيد عن لغة العصر.
اذا كان اردوغان معنياً ببناء قوة اقليمية يكون لها دورها في لعبة القرن، وما تنطوي عليه من احتمالات عاصفة، هل سأل نفسه عما يفعله الجيش التركي على الأرض السورية، وقد فتح أبوابه، وملاهيه الليلية، أمام تلك الكائنات الحجرية (10000) التي بعث بها راشد الغنوشي من جبال تونس الى سورية، اضافة الى عشرات الآلاف الأخرى الآتية من قاع الجحيم.
انه هاجس السلطنة، أو هاجس الخلافة. من هنا نصّب نفسه “عرّاب الاخوان المسلمين”، بما في ذلك حركة “حماس” التي نسأل ماذا فعل لها، سوى الكلام عن بعد، وهي تواجه البربرية على أرض غزة؟ وكنا قد ذكرنا أنه لم يتوقف يوماً عن تصدير اللحوم، والخضر، الى اسرائيل، قبل أن تفاجئنا الصفحة الالكترونية لقناة “الجزيرة” بما كشفت عنه البيانات الرسمية لهيئة الاحصاء التركية من أن أنقرة تبعث بالذخائر والبارود الى الدولة العبرية.
لا ندري ما هو موقف واشنطن من المشروع المثير الذي طرحه وفد تركي رفيع على المسؤولين العراقيين. “طريق التنمية” كبديل ليس فقط عن الطريق الهندي الذي أطلقه الأميركيون لمواجهة الطريق الصيني (عبر الشرق الأوسط) وانما أيضاً عن قناة السويس (هل من موقف للقاهرة؟). نقطة الانظلاق من ميناء الفاو في البصرة ـ على الخليج ـ مروراً ببغداد، ليدخل من بوابة أوفاكوي الحدودية التركية وصولاً الى أوروبا. في نظر الخبراء، المشروع الذي يضم تركيا والعراق والامارات أقل تكلفة من الممر الهندي.
ثمة من يسأل متى يتدحرج رأس البهلوان حين يلعب على كل تلك الحبال. بطبيعة الحال، هو يخدم الأميركيين ان في الخليج، أو في ليبيا، أو في البحر الأحمر. ولكن ماذا حين يلعب اردوغان لمصلحة اردوغان، بعدما قال له الأميركيون، وقال له الروس، أن السلطنة مثل السلاطين باتت تحت التراب؟
أيها السيد اردوغان… آن الأوان أن تعي ما جدلية الأزمنة، وما فعلته بالأمبراطوريات، وبالأباطرة. مشروعك للطاولة بأربع أرجل. مشروع تحتاج اليه المنطقة العارية استراتيجياً. ولكن ليس بفلسفة “الأنا العظمى” التي تنتهدها، أي تقليد القوى العظمى التي أحاطتك بالخطوط الحمر من كل حدب وصوب.
لست أكثر من أداة. ولقد آن الأوان لتخلع… قبعة السلطان.
Discussion about this post