اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
دمشق – م. ميشيل كلاغاصي
يدرك الرئيس إيمانويل ماكرون أنه سيغادر الإليزيه نهائياً بعد إنقضاء سنواته الثلاث المتبقية من ولايته الثانية, فكان لا بد له من إخراج ما في جعبته من أمنيات وأحلام وطموحات ترضي من أتى به إلى سدة حكم فرنسا مرتين, وما بين الذكاء والغباء طرح مسألة إرسال الجنود الفرنسيين إلى ساحات القتال في أوكرانيا, وبدا كمن يؤسس لتوريط الدولة الفرنسية وسيد الإليزيه القادم من بعده, بوضع فرنسا في حالة حرب مباشرة ضد روسيا, يدفع من خلالها الجنود الفرنسيين للقتال نيابةً عن قوات كييف, أو إلى جانب من تبقى منهم بأحسن الأحوال.
لا شك وأن ما صرح به حول تدخل الناتو في أوكرانيا لا يعدو أكثر من أمنيات وأحلام تبرأت منها الولايات المتحدة والناتو إيطاليا وإسبانيا وحتى ألمانيا, إذ يبدو اقتراحه أقرب إلى نوع من الهلوسة الدالة على قدراته العقلية, مع إظهاره الثقة بعدم إطلاق القوات الروسية النار بشكل مباشرعلى قواته في أوكرانيا, التي وبإعتقاده ستشكل جداراً صلباً أمام القوات الروسية, بما يضمن حماية حكومة أوكرانيا المتطرفة, يبدو أن حماقته وغطرسته تقوده نحو الإعتقاد بتفوقه على نابليون, وبدخوله التاريخ على أنه الزعيم الأوروبي الذي سحق روسيا وأطاح بالرئيس بوتين.
يبدو أنه لا يدرك أن إرسال قوات الناتو البرية وإقحامها في المواجهة مع القوات الروسية, سيطلق صافرة البداية للحرب العالمية الثالثة, وإحتمالية تحولها إلى حرب نووية مع إعلان الرئيس بوتين وضع أسلحته النووية في حالة التأهب, من الواضح أن ماكرون تناسى فيه إنتقاده الناتو وتهجمه على قيادته الأمريكية في العام 2019, واعتبره يومها بالجسد “الميت دماغياً”, فهل كان يعني ما يقول أم أنه كان يحاول الترويج لنفسه على أنه “الزعيم الأوروبي القوي”, القادر على تشكيل الجيش الأوروبي لحماية أوروبا كبديل عن الناتو, أم أنه يؤسس لأمر مستقبلي لم يحن أوانه بعد.
واستضاف في 26/شباط بقصر الإليزيه رؤساء أكثر من 25 دولة وحكومة أوروبية في مؤتمرٍ لدعم أوكرانيا, من أجل صب جام حقده على روسيا ورئيسها, إنتقاماً وإعتقاداً منه بأنها سبب تحول فرنسا إلى دولة منبوذة ومطرودة من أفريقيا, وإلى دولة مهزومة إلى جانب حلفائها في أوكرانيا, وأراد رص الصفوف الأوروبية لمنع روسيا من الإنتصارهناك, لكنه لم يتطرق إلى أسباب فشل نهجه وإنخفاض شعبيته المثير في فرنسا, واحتجاجات الفرنسيين وتظاهراتهم الرافضة لسياساته الخارجية والداخلية على حدٍ سواء, وتجاهله مصالح فرنسا, وتذوقه طعم المرار بصفعةٍ تلقاها من شاب فرنسي, كذلك بهروبه المهين قبل عدة أيام بتغطيةٍ من حراسه أمام غضب المزارعين الفرنسيين.
أراد ماكرون إظهار ذكائه وقوته أمام ضيوفه, بالحديث عن إمكانية إرسال قواتٍ فرنسية إلى أوكرانيا, علماً بأن فرنسا وألمانيا وقعتا في شباط المنصرم إتفاقياتٍ أمنية مع حكومة كييف تسمح لهما بإرسال قواتٍ عسكرية لمواصلة حرب الوكالة الأمريكية بمواجهة روسيا, في قتٍ سبق فيه لفرنسا أن شاركت في القتال الفعلي المباشر إلى جانب مرتزقة كييف, عبر ضباطها الفرنسيين في وحدات الناتو, وقتل منهم من قتل, وحوصر من حوصر في ماريوبول, واضطر ماكرون وقتها لإستجداء الرئيس بوتين لإجلاء ما أطلق عليهم “المقاتلين الأجانب”, كذلك ما تم رصد مؤخراً, ومقُتل أكثر من 60 جندي فرنسي في هجومٍ صاروخي روسي على مشارف مدينة خاركوف, وعلى الرغم من نفي ماكرون مشاركة جنود فرنسيين القتال, لكن وزير الدفاع الفرنسي وبحسب الفايننشال تايمز “اعترف بأنهم مواطنين فرنسيين قاتلوا كمتطوعين”.
إن تلاعب واشنطن بورقة خفض أوزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا, لأسباب معقدة, منها ما هو لإعتبارات أمريكية داخلية, وخارجية تتعلق بإبتزاز أدواتها في حرب الوكالة ومن بينهم فرنسا, وسط خشية ماكرون وسوناك وشولتز وميلوني من التأثير “الكارثي” على قدرة القوات الأوكرانية للصمود ومتابعة القتال, دفعته لإظهار نفسه بطلاً أوروبياً قادراً وحاضراً لإرسال جنوده والمزيد من السلاح وصواريخ الكروز الفرنسية بعيدة المدى, لضرب العمق الروسي, لكن إعلان بايدن مؤخراً عن مساعدات مساعدات عسكرية بقيمة 60 مليار دولار ستصل أوكرانيا بعد تصويت الكونغرس, أتى كصفعة تأنيب من رجلٍ كبير لطفلٍ صغير.
كم يبدو ماكرون سيئاً وشريراً بعدم إكتراثه بإشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة, لتحقيق أحلامه وطموحاته الخيالية, والتي من أجلها لم يتوقف عن ضخ الأكاذيب حول خطر روسيا على أوروبا, وعزمها غزو دول أوروبية أخرى بعد إنتصارها على أوكرانيا, وضرورة منعها من تحقيق الإنتصار مهما كان الثمن, بما في ذلك إرسال قوات الناتو إلى القتال والموت.
في وقتٍ لم تحظ فيه رسائله وتحذيراته ودعواته لإرسال قوات الناتو إلى أوكرانيا اّذاناً أوروبية صاغية بشكل واضح وصريح ومعلن, ووسط إعترافه الشخصي بحسب صحيفة فايننشال تايمز أمام وسائل الإعلام بعد المؤتمر بأنه “لا يوجد إجماع” على اقتراحه, لكنه “لا يستبعد أي شيء”.
من الواضح أن السنوات الثلاث المتبقية للرئيس ماكرون في الإليزيه لا تحمل مؤشرات تدل على استعداد فرنسا للعب دور إيجابي سلمي بناّء, يساهم في حل المشاكل الدولية والصراعات التي توازي مرحلة الإنتقال نحو عالمٍ متعدد الأقطاب, بعيداً عن الصدام الدولي المدمر والحرب العامية الثالثة, كذلك الأمر بالنسبة للداخل الفرنسي, خصوصاً بعدما رأى العالم كيفية معالجته للأزمات والمشاكل الداخلية, وتضاعف عدد الإحتجاجات والإضرابات, والعنف والتكسير والإعتقالات, واهتمامه بطبقة الأثرياء فقط, إثباتاً لطبيعته وخلفيته كمصرفي الروتشيلد, ناهيك عن اتباعه سياسةً خارجية حمقاء, تأرجحت ما بين تبعيته للولايات المتحدة, وأحلامه بالزعامة والإمساك بالقرار الأوروبي, لدرجة دفعت المتظاهرين الفرنسيين المحتجين على اقتراحه بإرسال جنودهم للقتال في أوكرانيا, لمطالبته بخروج فرنسا من الإتحاد الأوروبي, على أمل تفرغه للإهتمام بحل الأزمات الداخلية, وتنفيذ الوعود التي أطلقها منذ يومه الأول في الإليزيه ولم ينفذ منها شيئاً .. هل ينصت ماكرون لدعوات المحتجين, ويتخلى عن أحلامه الشخصية من أجل تحقيق مصالح الدولة والشعب الفرنسي؟.
Discussion about this post