اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
غداة خروجه من الزنزانة في بوليفيا عام 1973، ومصرع رفيقه في الثورة ارنستو تشي غيفارا، كتب المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه في صحيفة “ليبراسيون” مقالة جاء فيها أنه أعاد قراءة الأناجيل الأربعة أثناء اعتقاله، دون أن يعثر على نص يقول “لكي تكون مسيحياً عليك أن تكون… أميركياً”!
أما جان ـ جاك سرفان شرايبر، السياسي والصحافي (مدير مجلة “الاكسبرس”)، فقد دعا في كتابه “التحدي الأميركي” (1968 ) الى التبعية الأوروبية للولايات المتحدة، باعتبارها الأمبراطورية الاقتصادية التي لن تضاهيها وحتى نهاية العالم، أي أمبراطورية أخرى.
سرفان شرايبر ـ وهو يهودي ـ استعاد ما فعله وودرو ولسون لأوروبا في الحرب العالمية الأولى، وما فعله لها فرنكلين روزفلت في الحرب العالمية الثانية، وصولاً الى “مشروع مارشال” (1947 ) ، الذي لولاه “لبقيت القارة العجوز رهينة الخراب الميثولوجي”.باختصار “لكي تكون أوروبياً، عليك أن تكون أميركيا”. كاد يقول، لاغتباطه بنتائج حرب 1967، “عليك أن تكون اسرائيلياً” .
لكن الفيلسوف ادغار موران رفض أن تكون “دولنا مستوطنات أميركية”، وأن تكون “قواتنا المسلحة الآنكشارية البيضاء بامرة السلطان الأميركي”، وان لاحظ كيف أثبتت تجربة شارل ديغول “مدى اختراق الأميركيين ليس فقط لساستنا، وانما أيضاً لعظامنا”…
لا امكانية لتكون أوروبا أوروبية فقط. “حتى أن الفلاسفة والمفكرين الذين كانوا وراء نهضتنا الفكرية والحضارية، يفقدون دورهم في صناعة النخبة أمام أصحاب الأحذية الثقيلة على الضفة الأخرى من الأطلسي”.
وكان روجيه غارودي قد لاحظ، وبسبب “التداخل الفرويدي”، الفصل بين أميركا وأوروبا في النظر الى “التراجيديا الفلسطينية”. الأوروبيون تناسوا الفظاعات التي ارتكبوها منذ الحروب الصليبية وحتى الحرب العالمية الثانية بحق اليهود، ليجعلوا منهم”على الأقل أنبياء الشرق الأوسط”.
الجانبان، اذا قرأنا ما كتبه برنار ـ هنري ليفي هنا، وما كتبه برنارد لويس هناك، يتماهيان في النظرة الى العرب الذين، بـ “بدائية تشكيلهم الأنثروبولوجي”، نسخة عن قبائل الهنود الحمر.
لهذا يتصدر الشاشات مشهد ثلاث طائرات عسكرية أميركية، وهي تحمل المعدات الطبية والمواد الغذائية الى اهل غزة. الطائرات اياها التي ألقت القنابل والصواريخ لابادة أطفال غزة (لاحظتم التركيز على قتل الأطفال). لا أحد يعلم أي منطق يحكم هذا العالم. انه المنطق الأميركي الذي نتساءل اذا بات يحكم العالم الآخر أيضاً .
لماذا العتب على الأوروبيين كظلال باهتة للأميركيين. كعرب، ألا نبدو كتماثيل القش في حضرة الاله الأميركي؟ أي دولة عربية تعترض، إما يتم تحطيمها عسكريا أو تحطيمها اقتصادياً وسياسياً.
هنا يرى الفرنسي دومينيك فيدال، أن التفاعلات “الجيولوجية” التي أحدثتها الأيام الدموية في غزة، لا بد أن تفضي الى ظهور “حالة زلزالية” في الشرق الأوسط، خصوصاً أن الأميركيين يزمعون الخروج منه في موعد أقصاه عام 2035، ليس فقط لنضوب النفط أو لابتكار تقنيات جديدة لانتاج الطاقة، وانما لأن المنطقة التي يشكو الأميركيون من تضاريسها التاريخية وايديولوجية تحولت بفعل هشاشتها، الى عبء استراتيجي عليهم.
اللافت هنا، أن الأميركيين يغفلون كلياً دورهم في ابقاء البلدان العربية في هذه الحال من الوهن والافتراق عن ثقافة العصر، في حين أن المجتمعات المتقدمة باتت على مقربة من الولوج الى الحقبة، التي تندثر فيها ثقافات الماضي ومجتمعات الماضي..
لطالما تساءلنا أي “اسرائيل” بعد أميركا.الاجابة عند المؤرخ شلومو ساند الذي يتهم “القيادات الاسرائيلية” بالعمى في تعاملها مع واقع المنطقة، خلافاً لأي دولة في العالم تدرك مدى تأثير الجوار على دورها، وحتى على وجودها، مذكرأ بأن اليهود أبقوا قبورهم مفتوحة عل مدى 3000 عام، فهذه حال الفلسطينيين أيضاً. ألم يتحدث تيودور هرتزل عن “ذاكرة التراب” الذي يهال على الموتى.للتراب الفلسطيني ذاكرته ايضاً.
أهي ذاكرة النار أم ذاكرة الدم… ؟!
Discussion about this post