اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
نبيه البرجي
هذا هو رأي المؤرخ الأميركي آلان تايلر “أميركا بالايقاع التكنولوجي، وبالوجود في أصقاع الأرض، وعلى تخوم الكواكب الأخرى، أكثر من أن تكون أمبراطورية في المفهوم التاريخي أو الكلاسيكي للمصطلح. روسيا أقل من ذلك بكثير، ولكن مَن يستطيع التفريق بين الفيلة”؟
غداة الانسحاب الأميركي من أفغانستان، كتب الفرنسي دومينيك فيدال “أولئك الذين حاولوا تسلق طائراتكم وهي تغادر، بالتواطؤ مع البرابرة، رأيناهم وهم يسقطون موتى في أرض المطار. هم مَن قاتلوا الى جانبكم، ومَن رأى فيكم الملائكة اتي تنتشلهم من الجحيم . باقتضاب، هؤلاء أيها السادة الأميركيون بشر مثلنا، وليسوا … قردة” !
الأميركيون تعاملوا هكذا مع حلفائهم الأطلسيين الذين فوجئوا بالانسحاب. آنذاك قال دومينيك دو فيلبان “كان علينا أن نتسلل مثلما تتسلل الفضيحة بين فوهات البنادق، وكانت موجهة، وبعيون حمراء، الى ظهور جنودنا”.
الآن يصرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر “روسيا أظهرت بعد أحداث ناغورني قره باخ، أنها ليس بالشريك الذي يمكن الاعتماد عليه”، كما لو أن الرئيس الفيتنامي السابق نغوين فان ثيو لم يقل “باعونا لحملة السكاكين مثلما تباع الخراف” ….
روسيا أمام مأزق وجودي في أوكرانيا . كانت واثقة من أن باستطاعة دباباتها الدخول في غضون ساعات الى كييف، بعدما تعرضت الاستخبارات الروسية لخدعة مدوية (كانت تتوقع انقلاباً عسكرياً ضد زيلنسكي فور أن تطرق أبواب العاصمة)، ودون أن تتنبه الى المصيدة التي اعدّها الأميركيون على مدى سنوات، بما في ذلك تشكيل ائتلاف دولي ضارب لاستنزاف حتى عظام الدببة القطبية.
أرمينيا الأرثوذكسية كانت أقرب بكثير الى روسيا من أذربيجان الشيعية، ان لحمايتها أو لحماية أرمن ناغورني قره باخ . وكان لدور الكرملين أن يكون أقوى لولا الغرق في الوحول والنيران الأوكرانية . القوقاز يقع عند ذلك التقاطع الخطر بين الأديان وبين الاثنيات، التي شهدت صراعات دموية عبر القرون.
المثير هنا، كدليل على وهن الموقف الروسي، أن الأميركيين والأتراك، وحتى “الاسرائيليين”، يوجدون على الأرض الآذرية، أي على حدود ايران. فلاديمير بوتين ليس مستعداً للضياع بين التضاريس القوقازية، وان كان قد أصيب بالصدمة لخروج أرمينيا من الزمن الروسي الى الزمن الأميركي، مع التذكير بوجود لوبي أرمني لا يستهان به في الولايات المتحدة.
لا مقارنة بين الأرمادا الأميركية والأرمادا الروسية. الى الامكانات العسكرية الهائلة، الامكانات الاقتصادية والاعلامية، دون اغفال امكانات دول حليفة أميركية أو أوروبية أو آسيوية …
بالكاد تستطيع روسيا الاعتماد على كيم جونغ ـ اون بالضائقة الاقتصادية المروعة. ايران لديها حساباتها الدقيقة بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى (والقوقاز). سوريا أمام الطرقات المقفلة والآفاق المقفلة. ماذا عن الصين؟ من فضلكم راجعوا أرقام المبادلات التجارية بينها وبين أميركا، وبينها وبين حلفاء أميركا.
ألهذا يتفاعل آيات الله مع الوساطة العمانية لاستئناف المفاوضات بينهم وبين الأميركيين حول اعادة احياء الاتفاق النووي، أو حول صياغة اتفاق بديل يتسق والأوضاع الدولية والاقليمية، التي تشكلت منذ عام 2015، ناهيك بالحد اذي بلغه الايرانييون في التكنولوجيا النووية ؟ مفاوضات للمفاوضات، للحيلولة دون أي انفجار مفاجئ بتداعيات كارثية على الجميع .
ما يمكن أن تقدمه روسيا بالعقوبات، التي فرضت الحظر حتى على شراء القطط منها، لا تستطيع أن تقدم سوى النزر اليسير لايران المتعبة، والمتوجسة من الغليان الداخلي، ولسوريا التي تواجه، الى الأزمة الاقتصادية القاتلة، أزمات بنيوية حادة وتهدد وحدة أراضيها.
صقور الدولة العميقة في أميركا، والذين طالما سعوا الى انفكاك القوس الروسي – الصيني ( بالمراوحة الدموية الروسية في أوكرانيا)، ما زالوا يراهنون على تفكيك الاتحاد الروسي، كما حدث للاتحاد السوفياتي.
لعل هؤلاء يتفادون النظر الى أصابع بوتين وهي تقترب من الأزرار النووية . في احدى مسرحيات سوفوكل، أي قبل نحو 2400 عام ، “الآلهة يريدون منا أن نصلي لهم حتى ونحن في قبورنا …”.
Discussion about this post