اخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net
زياد غصن
بصرف النظر عما آلت إليه احتجاجات السويداء من مواقف سياسية على خلفية الأعلام وبعض الشعارات المرفوعة، فإن الجذر الاقتصادي والمعيشي لهذه الاحتجاجات يستحق بعضاً من تسليط الضوء، وبعيداً من أي حسابات سياسية، ولا سيما أن هذه الاحتجاجات تكررت قبل نحو عامين.
هذا الأمر يتطلب إجراء مقاربة موضوعية للأوضاع الاقتصادية السائدة في المحافظة قبل الأزمة وخلالها، وصولاً إلى تحديد بعض ملامح المشكلة الاقتصادية التي تعانيها المحافظة الجنوبية في البلاد، لا سيما في ظل وجود نسبة ليست قليلة من الفقر في خضم المعلومات المتداولة عن المحافظة من حيث بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المهمة.
الزراعة والتجارة
تمتد المحافظة على مساحة تشكل ما نسبته 3% من إجمالي مساحة البلاد، وهي تصنف ديموغرافياً ثاني أصغر محافظة سورية من حيث عدد السكان، إذ قدر عدد سكانها المقيمين فيها بحلول منتصف العام 2010 بنحو 361 ألف نسمة، مشكلين بذلك ما نسبته 1.8% من إجمالي عدد سكان سوريا، يعيش القسم الأكبر منهم، والمقدر بأكثر من 68%، في الريف، فيما لا تتجاوز نسبة الحضر سوى 31.3%.
هذا الأمر ربما عائد إلى أن النشاط الزراعي هو أحد أهم مصدرين للدخل في المحافظة، إلى جانب نشاط الخدمات، إذ تشير تقديرات بحثية مستقلة إلى أن الزراعة تشكل ما نسبته 22.5% من إجمالي الناتج المحلي للمحافظة، الذي يأتي في المرتبة ما قبل الأخيرة لجهة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إذ لم تتجاوز تلك النسبة نحو 1.6% عام 2010.
أما النشاط الخدمي، فهو يشكل ما نسبته 27.6% من ناتج المحافظة، وثالثاً يأتي النشاط التجاري بنسبة 18.1%، ثم رابعاً النقل والتخزين والاتصالات بنحو 8.8%. وتفسر تركيبة الناتج المحلي للمحافظة تبعاً للقطاعات لماذا لم تسلم المحافظة من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المباشرة والعميقة للأزمة رغم بقاء مناطقها الإدارية الثلاث بالعموم آمنة.
في استعراض لباقي المؤشرات المتعلقة بالأوضاع المعيشية، يمكن التوقف عند 3 مؤشرات أساسية يمكنها أن تعطي صورة عن الأوضاع المعيشية في المحافظة قبل الأزمة:
المؤشر الأول يتعلق بمتوسط الإنفاق الشهري للأسرة في المحافظة، والذي وصل، بحسب مسح دخل الأسرة ونفقاتها في العام 2009، إلى نحو 28370 ليرة، كانت نسبة الإنفاق على الغذاء منه نحو 38.5%، وعلى السلع غير الغذائية نحو 61.5%.
هذا الأمر يجعلنا نخلص إلى استنتاج بسيط، هو أن المستوى المعيشي كان بالعموم جيداً بدليل تقديرات معدل الفقر الإجمالي المسجل في المحافظة، والذي يمثل المؤشر الثاني من بين المؤشرات الثلاثة. وبحسب التقديرات البحثية، فإن معدل الفقر الإجمالي في المحافظة سجل نحو 18% عام 2010، في الوقت الذي كان هذا المعدل يسجل في المحافظات المجاورة لها نسباً أعلى. فمثلاً هو قدر في دمشق بنحو 24%، وفي ريف دمشق 28%، وفي درعا 21%، لكن الأمر اختلفت قليلاً في معدل الفقر الشديد، فنحو 7% من سكان المحافظة كانوا يعانون فقراً شديداً، في مقابل 6% في ريف دمشق، و3% في دمشق. وحدها درعا من المحافظات المجاورة سجلت معدلاً أعلى منها في الفقر الشديد 9%.
المؤشر الثالث يتعلق بمعدل البطالة المسجل في المحافظة خلال العام 2010، والمقدر بنحو 12.9%، وهو مقارنة بمعدل البطالة المسجل على المستوى الوطني، البالغ 8.9%، يبدو كبيراً، لكن البيانات تبين أن نسبة العاطلين من العمل في المحافظة من إجمالي العاطلين من العمل في البلاد لم تكن تتجاوز آنذاك 2.9%، علماً أن نسبة القوة البشرية بين 15-64 سنة شكلت ما نسبته 48.5%، فيما نسبة كبار السن (65 وأكثر) تصل إلى 2.6%، وهو ما يؤكد أن مجتمع المحافظة لا يزال فتياً.
خلال الأزمة
خلال سنوات الأزمة، مرت المحافظة بمرحلتين: الأولى كانت مع السنوات الأولى من عمر الأزمة. في هذه المرحلة، كانت المحافظة من أقل المحافظات السورية التي شهدت حركة خروج للسكان منها باتجاه المحافظات الأخرى أو خارج البلاد نظراً إلى حالة الاستقرار التي عاشتها في تلك الفترة.
ووفقاً لبيانات مسح السكان لعام 2014، فإن عدد مغادري المحافظة لم يتجاوز 2500 نازح استقروا في محافظات أخرى، ونحو 1600 مهاجر قصدوا دول أخرى، فيما عدد اللاجئين كان لا يذكر.
وتضيف البيانات المذكورة أن عدد سكان المحافظة بلغ منتصف ذلك العام نحو 395 ألف شخص. ومثل جميع المناطق التي بقيت آمنة، فقد شكلت مدن المحافظة وقراها مقصداً لأكثر من 72 ألف شخص اضطروا إلى مغادرة منازلهم بفعل تدهور الأوضاع الأمنية، منهم نحو 2000 شخص نزحوا من بعض مناطق المحافظة التي كانت على تماس مع مناطق غير مستقرة، و70 ألفاً نزحوا من محافظات أخرى.
أما المرحلة الثانية، وهي تشمل النصف الثاني من عمر الأزمة، فقد شهدت المحافظة خلالها تدهوراً أمنياً كبيراً، على خلفية ظهور متزايد لنشاط عصابات متخصصة في عمليات الخطف والقتل، الأمر الذي أفقدها استقرارها وأمنها وحولها إلى محافظة طاردة للسكان، ولا سيما ممن نزح إليها مع بدايات الأزمة، وحتى بالنسبة إلى بعض مواطنيها.
هذا الأمر كان له أثره الكبير في معدلات نمو النشاط الاقتصادي، إذ تأثرت عمليات النقل بين المحافظة والمحافظات الأخرى وتراجع النشاط التجاري، ما أدى مع تعمّق تداعيات الأزمة اقتصادياً واجتماعياً إلى ارتفاع معدلات الفقر في المحافظة، وذلك بالتوازي مع ارتفاعه في عموم المحافظات الأخرى، لكن السويداء بقيت إلى جانب اللاذقية الأقل بين شقيقاتها لجهة معدل الفقر الإجمالي المقدر فيها عام 2019 بنحو 77%، فيما كان في دمشق 81%، وفي ريف دمشق 88%، وفي درعا 82%.
هذا الأمر ينطبق كذلك على معدلات الفقر الشديد التي وصلت في المحافظة إلى نحو 53%، لتكون بذلك أقل محافظة بعد اللاذقية (51%) في انتشار نسبة الفقر الشديد، إلا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل متسارع منذ بداية العام 2020 انعكس سريعاً على مستويات الأمن الغذائي التي بلغت في السويداء أرقاماً جعلتها تحتل المرتبة السابعة في نسبة الأسر التي تعاني من انعدام أمنها الغذائي (8.9%)، والمرتبة الثالثة لجهة الأسر التي تعاني من انعدام متوسط في أمنها الغذائي (50%)، والمرتبة التاسعة من حيث نسبة الأسر المعرض أمنها الغذائي للخسارة (36%)، والمرتبة الرابعة من حيث نسبة الأسر التي تتمتع بأمن غذائي (5%).
اللافت في كل ما سبق ما ورد في بيانات رسمية متعلقة بتقدير حجم الأضرار التي لحقت بالوحدات السكنية والبنى التحتية خلال فترة الأزمة، فعلى الرغم من أن المحافظة لم تشهد أي معارك باستثناء الهجوم الدامي الذي شنه تنظيم “داعش” الإرهابي على بعض القرى في ريف المحافظة، والذي ذهب ضحيته العديد من الأبرياء المدنيين، فإن التقديرات الرسمية تتحدث عن أن الضرر الذي لحق بالبنى التحتية قدر بنحو 47%، فيما ضرر الوحدات السكنية لم يتجاوز 0.2%.
حل واحد
بناء على ما تم رصده من بيانات ومؤشرات إحصائية رسمية غير رسمية، فإن ما تعيشه السويداء من أوضاع اقتصادية ومعيشية يكاد يكون متماثلاً لما تعيشه المحافظات الأخرى. وبناء عليه، فإن معالجة ما تعانيه المحافظة لا يمكن أن تكون منفصلة عن الإطار الوطني لعدة أسباب، أهمها أن تنشيط الواقع الاقتصادي في المحافظة يحتاج إلى تحسن الأوضاع الأمنية الاقتصادية في المحافظات الأخرى المجاورة لها والمؤثرة في نشاطها الاقتصادي، فضلاً عن أن المتغيرات الواجب إحداثها على مستوى السياسات الاقتصادية العامة في البلاد هي التي يمكن أن تؤثر في اقتصاديات المناطق.
وحتى عند التفكير في سياسات تنموية إقليمية تراعي خصوصية المناطق الجغرافية للبلاد، وهي وظيفية هيئة التخطيط الإقليمي، فإن السويداء، باعتبارها جزءاً من المنطقة الجنوبية، ستكون مرتبطة بمحافظتي درعا والقنيطرة، بالنظر إلى تماثل الأنشطة الاقتصادية في المحافظات الثلاث. والجميع اليوم بانتظار ما ستبادر الحكومة السورية إلى فعله لاحتواء هذه الاحتجاجات ومعالجة جذورها الاقتصادية والاجتماعية.
وحتى ذلك الوقت، فإن السؤال الذي يتردد على ألسنة كثيرين: هل تبقى احتجاجات السويداء محافظة على جذرها الاقتصادي والاجتماعي أم أنها ستتعداها وتميل مع طروحات ومشروعات سياسية تطرح من هنا أو هناك، باتت مقلقة لمستقبل وحدة البلاد وسيادتها، وتخضع للتسييس الكامل، كما حدث في احتجاجات بعض المناطق الخارجة عن السيطرة، التي قالت إنها خرجت نصرة للسويداء، لكن بشعارات سياسية سبق للقيادات الدينية في المحافظة الجنوبية أن رفضتها؟
Discussion about this post