فؤاد البطاينة
كان الهدف من غزو سورية هو تغيير نظامها بأخرَ يتولى ضم سوريا للمعسكر الصهيو-عربي. بمعنى أعمق كانت الغاية هي النيل من سورية الدولة والسياسة والرفض والتاريخ والمصير. أمّا الإطاحة بنظامها فهو الألية. إلا أن هذا الغزو جرّ معه تدخلات عسكرية أخرى وتوازنات عسكرية متضاربة الأهداف، أدت لتوسيع الحرب ولتدمير كبير واحتلالات اجنبية لأراضي سورية تنال من سيادتها وتنهب مقدراتها ومواردها، وإلى إضعافها عسكرياً واقتصاديا، ولتشريد واسع لمواطنيها. وتوقفت الحرب على هذا الوضع وتداعياته ولكن بفشل الغزو في تحقيق هدفه وغايته.
ويبدو أن هذا الوضع الذي ما زال قائماً كانً كافياً لكل الأطراف على الساحة كمرحلة لها سيرورة نحو تحقيق أهدافها. ففيه أمريكا تحتل شرق وشمال شرق سوريه وتستولي على نفطه وموارده الزراعية. وتركيا تحتل أراضي أقصى الشمال وتغيّر ديموغرافيتها وتؤسس لمستعمرة تركية،وترعى فصائل إرهابية وتستغل اللاجئين السوريين. والأكراد يقيمون كياناً انفصالياً برعاية أمريكا.والكيان الخزري المتأسرل يمتلك تصريحاً من كل الاحتلالات بحرية الهجمات على سورية. وروسيا عززت قواعدها وعقدت تفاهمات مع كل الأطراف على الأرض السورية وأخطرها الكيان الصهيوني. أما الوجود العسكري الإيراني فيتخذ لنفسه موقفاً غير صدامي مع أي طرف،ودون ردع لوقف الهجمات “الإسرائيلية ” على المرافق الحيوية السورية وعلى المراكز الإيرانية نفسها والتي يتذرع الكيان بها.
فالأزمة السورية تُعَرّف بعناوين مختلفة، لكني أعرِّفها بعنوان رئيسي من شقين، الأول وجود إحتلالات أجنبية على الأرض السورية تَستخدم وتستعين بالإرهاب وبتشكيلات سورية عميلة لتحقيق غاياتها السياسية. والشق الثاني هو ترك سورية ضعيفة اقتصادياً بلا موارد كافية ومحاصرةً، ومنزوعة القدرة العسكرية على الصد أو الردع لهجومات الكيان الصهيوني المتواصة على المقدرات والمرافق الحيوية السورية وعلى ناسها”.
وما غير ذلك من عناوين سياسية محلية أو دولية، فهي أمريكية صهيونية فاسدة الأهداف والتوقيت. فما دامت الاحتلالات قائمة فلن يكون طرح البرامج السياسية والتعامل معها ومع الشأن المحلي إلّا محل استغلال لصالح الإحتلالات وأهدافها. ومن غير الممكن تسوية أية مسألة سورية وطنية كانت أو قومية أو إعادة إعمار بوجود هذه الاحتلالات. فلا أمريكا ولا حلفائها ولا تركيا سيكونون بمنأى عن التدخل لفرض أجنداتهم ما داموا محتلين ويمثلهم عملاؤهم من السوريين. ولو انخرط السوريون افتراضاً خاطئاً بأية عملية سياسية أو اصلاحية حرة، أو بعملية وفاق وطني بعيدا عن أهداف المحتلين فلن يدخر عندها المحتلون جهداً أو تعبئة أرهابية أو فتنوية لمنعها وتخريبها وتعميق الأزمة.
ولذلك فإن أولوية إزالة الاحتلالات وعلى الأخص الأمريكي تَفرض نفسها كمنطلق وحده الضامن لنجاح أي عمل سياسي محلي وطني ولإعادة البناء المادي والسياسي والصمود. فلا استقرار ولا بناء مع الإحتلال، وما تقديم أولوية أخرى على هذه الأولوية إلّا عبثاً يعود على سورية بمردود سلبي.فأمريكا لها مخططاتها. وأهدافها السياسية العميقه لا يتفق تحقيقها مع وجود النظام السوري ولا مع قوة حلفائه المتفوقة.
والمُستجد أن أمريكا المرتاحة للوضع القائم في سوريا وتؤخر معركة الحسم لمخطط الشرق الأوسط الجديد، بدأت تتحرك وأصبحت أكثر حاجة للضغط على القيادة السورية وحزب الله وصنع أزمات داخلية لتمتين وتوسيع سيطرتها على الأرض. حيث من المكشوف أنها بصدد السيطرة على كامل الحدود الشرقية السورية وزاويتها الجنوبية لحاجات استراتيجية تخص صراعها ربما الوشيك مع إيران وحزب الله. فسعي امريكا لقطع خطوط التواصل بين مفاصل محور الرفض والمقاومة لخنق حزب الله لوجستياً هو من اعمال الحرب قد يقود لمواجهة مفتوحة في المنطقة. وما يحدث في السويداء ورفع العلم الدرزي ليس مجرد مشروع انفصال جديد بل عمل أمريكي \بريطاني يصب في خدمة الصراع ومشروع حسمه.
لا أرى في ضوء مجمل مقالي من عمل للقيادة السورية يفوق أهمية الشروع في بناء مقاومة سورية شعبية مسلحة ضد الاحتلال الأمريكي مستعينة ً بخبرات وقدرات حزب الله المعني مباشرة. فالإستناد على مثل هذه المقاومة علاوة على أنه كفيل بدحر الإحتلال، فإنه سيخرجها أيضاً من حالة التعايش مع الأخطار،ويعزز من موقفها الدولي ومن هيبة ومهابة سوريا وثقة الشعب في الداخل، ويُغير من نظرة النظام العربي الرسمي لها، سيما بعد فشل خيار التعويل على المطبعين وجامعتهم. وستكون هذه المقاومة الممأسسة جاذبة للسوريين من الخارج والداخل ومعززة لوحدتهم ورادعاً لعملاء مندسين كمحراك فتن داخلية كالتي نشهدها في السويداء.
اما الشق المتعلق بتواصل الهجمات الصهيونية والعجز عن مواجهتها، فيعود لضعف القدرة العسكرية السورية. وبصرف النظر عن أهمية وجوب الرد على كل عدوان بالمتوفر من أسلحة مهما كانت بسيطة ومهما كانت النتائج قاسية، وعن الحديث عن تنمية القدرات العسكرية في هذه الظروف، وإذا استبعدنا استخدام القدرة الإيرانية للصد والردع لوقوع هذا ضمن حسابات، فإن روسيا لا يمكنها الإفلات من هذه المسؤولية، فلا يمكن أن تكون مع سورية ومع من يهاجمها في نفس الوقت. وإللا فسيفهم بأن المعاهدة الروسية أبرمت مع القيادة بمعزل عن سورية الوطن والشعب، وعندها يجب مراجعتها وتصويبها. وهذه مسؤولية القيادة السورية. إنها في النهاية مسألة فوق الاعتبارات الدبلوماسية، وعليها أن تجهد وترفض الصمت على محورها الحليف لوقف هذه المهزلة المهينة.
كاتب وباحث عربي اردني
Discussion about this post