نبيه البرجي
بعيداً عن الوضع الخاص للمقاومة، مَن هي الشخصية السياسية أو القيادية، التي يفكر “الموساد” باغتيالها لتفجير الفوضى الطائفية، كمدخل للفوضى الدموية، في هذه الغابة التي لا تحتاج الى أكثر من عود ثقاب؟
كان موشي دايان يقول ساخراً أن يهوه بعث الى شعبه المختار بذلك النوع من الحكام العرب لكي يتولوا حماية أرض الميعاد من أي سوء. وحدها بلداننا يعود فيها الزمن الى الوراء. حتى ثقافتنا الدينية ثقافة القبور، كما لو أن الله لم يبعث بأنبيائه لـ”اضاءة الروح البشرية”، كما قال محيي الدين بن عربي…
اليهود وضعوا في حيفا عام 1912، حجر الأساس لـ”التخنيون” (معهد “اسرائيل” للتكنولوجيا)، ليفتتح في عام 1924، أي قبل نحو ربع قرن من اعلان قيام الدولة، وحين كان العرب يسألون الفقهاء ما اذا كانت الشريعة تجيز لهم ارتداء “البنطلون الافرنجي”.
أي مؤسسة عربية أنشئت مقابل المؤسسة اليهودية ؟ يا لبؤس جامعة الدول العربية كمستودع للطرابيش العثمانية. في مؤتمر مدريد عام 1991، قال لي جاك نيريا الذي هاجر وهو فتى، من وادي أبو جميل في بيروت الى “اسرائيل” (يدعونه هناك بـ “اللبناني”) كمثقف أنا ورائي مؤسسة، أنت وراءك خيمة. لا فارق هنا بين بديع الزمان الهمذاني وألبرت اينشتاين ؟ “اسرائيل” باعت ألمانيا ـ بأدمغتها الهائلة ـ منظومة صواريخ فرط صوتية، طراز “آرو ـ 3 “. من هي الدولة العربية التي تصنع الدراجات الهوائية؟
ثمة دول عربية أنشأت في السبعينات من القرن الماضي “هيئة التصنيع الحربي” لمنافسة الصناعات العسكرية “الاسرائيلية”. في الثمانينات زرتُ رئيس الهيئة أشرف مروان في القاهرة (شكوك كثيرة أثيرت حول ظهوره وحول وفاته، وأيضاً حول تعيينه في منصب يحتاج الى شخصية متخصصة لا الى شخصية هوليوودية).
سألت الشاب الأنيق والمترف عن مشاريع الهيئة. تحدث لدقائق عن ذلك، ثم انتقل بي الى الحديث عن ربطات العنق، وعن زجاجات العطر. لدى خروجي تساءلتُ ما اذا كنتُ في زيارة حسين فهمي أم في زيارة من يفترض به أن يكون ضليعاً في التكنولوجيا العسكرية.
غي موليه، اضافة الى طائرات “الميراج”، أهدى صديقه دافيد بن غوريون مفاعل ديمونا الذي خرجت منه القنبلة النووية “الاسرائيلية”. حدث ذلك في النصف الأول من الخمسينات حين كان “رفيقنا” الاتحاد السوفياتي يزوّد مصر وسوريا بأنواع من طائرات الـ”ميغ” الأقرب ما تكون الى الطنابر الطائرة…
ما من مرة فكر “الموساد” باغتيال حاكم عربي، باستثناء جمال عبد التاصر. في لبنان، مَن هي الشخصيات السياسية التي ينظر اليها “الاسرائيليون” بعيون حمراء؟ لماذا العيون الحمراء اذا كانوا يقودون الشعوب اللبنانية كما تقاد الخراف الى السكين؟
لا نتصور أن هناك بلداً في العالم مثل بلدنا، ينتج هذا العدد من المحللين السياسيين الذين يتكاثرون على الشاشات كما الأرانب. هؤلاء الذين يقلدون المنجمين (ألا تلاحظون في وجوه المنجمين شيئاً من جهنم؟ لا يرون “وراء الحجب” سوى الأهوال والكوارث). البعض يحدد مَن هم الساسة الذين تستهدفهم أجهزة الاستخبارات “الاسرائيلية”، مع أن هذه الأسماء غير موجودة الا على أبواب المقبرة!
جورج مالبرونو استغرب أن يكون هؤلاء حكام لبنان، بالتعبئة الغرائزية لأتباعهم، والذين يفترض أن تلاحقهم المحكمة الجنائية الدولية بتهمة زج شعب بأكمله (لسنا بالشعب الواحد) في ما دعاها بـ”ضوضاء الدم”!
“الاسرائيليون” يبيعون ألمانيا (أجل ألمانيا) منظومات صاروخية للتصدي لأهداف فوق الغلاف الجوي. وزير الدفاع يوآف غالانت قال “على كل يهودي أن يشعر بالفخر لأن الجيش الألماني (بالطبع ليس جيش أدولف هتلر) يستعمل أسلحة صنعت في “اسرائيل””! …
حسناً أننا نصدّر النبيذ (النبيذ المميز فعلاً) الى أحفاد كانط وهيغل وماركس، ليصعدوا الى سطح المريخ. هنا العبقرية اللبنانية في مواجهتها للعبقرية “الاسرائيلية” التي لا تصل صواريخها سوى الى ما فوق الغلاف الجوي.
باستطاعة قادتنا، باستثناء مَن تعرفون، النوم ملء جفونهم. كيف يفكر “الموساد” باغتيال حماة الهيكل؟
Discussion about this post