نبيه البرجي
المؤرخ الفرنسي دومينيك فيدال سأل “أليس فرنكلين روزفلت مَن قدّم أوروبا الشرقية، بما في ذلك أوكرانيا، هدية الى جوزف ستالين أثناء مؤتمر يالطا (شباط 1945 )؟ ليضيف أن جو بايدن يستعيد عسكرياً المشهد نفسه، لكنه فخور بـأنه يقدم أوكرانيا جثة متناثرة الى فلاديمير بوتين!
صاحب “عالم اللامساواة” يرى أن غالبية الرؤساء الأميركيين الذين تعاقبوا على البيت الأبيض اثر الحرب العالمية الثانية، حاولوا تقليد أدولف هتلر بغزو العالم بعناوين طوباوية على أنهم “ورثة الآلهة”، ولكن لينتقلوا من مقبرة الى أخرى . حدث ذلك في فيتنام وفي أفغانستان ثم في العراق . الآن “يبدو أن أوكرانيا هي خط النهاية”.
اذ يعنى فيدال بشؤون الشرق الأوسط لاحظ كيف “أن الرؤساء الأميركيين، ومنذ نحو أربعة عقود، يدورون حول آيات الله. دونالد ترامب قال انه سيحطم رؤوسهم ولم يفعل ذلك، اكتفى بالمظاهر الدونكيشوتية . انه الجنون الأميركي . كيف لم يكتشف ورثة ديكارت وهيغل (أي القادة الأوروبيون) أننا نمشي عراة وراء المجانين”.
الباحث في مجلس السياسة الخارجية ألكسندر غراي يتوجس من “الارتجاجات الدولية” التي أحدثتها الحرب. “نحن من أيقظ الدب القطبي كما التنين الأصفر، لأننا رحنا ندق بأحذيتنا الثقيلة على أبوابهم”.
باحثون أو معلقون آخرون قالوا ان بوتين كان يراهن على ذلك الجيش ألذي أصيب بالترهل، ان لم يكن بالصدأ، داخل الثكنات . العديد من الجنرالات وجدوا في زجاجات الفودكا علاجاً لساعات الملل الطويلة”. “ما فعلناه أننا ألقينا بالقنبلة وسط هؤلاء . فلسفة الجيش الروسي انقلبت رأساً على عقب، من خلال تلك التجارب الميدانية المريرة” .
علماء التكنولوجيا العسكرية الذين كانوا يفكرون ويعملون ببطء، على وقع السيكار الكوبي، راحوا يعملون بديناميكية مذهلة لانتاج أسلحة تواجه الأسلحة الأطلسية الفائقة التطور، والتي تم تزويد أوكرانيا بها لتدفن تحت الأنقاض …
اذاً، أميركا هي من صنعت “نيوروسيا” . بعد أوكرانيا لن تكون روسيا كما كانت قبل أوكرانيا. هذه هي البريسترويكا (اعادة الهيكلة) الحقيقية . انقلاب في البنى الاقتصادية والعسكرية، ولعل الأهم انقلاب في البنى السيكولوجية. “هكذا بدأ الروس يفكرون الآن . كيف نحوّل الثلوج الى نيران تلتهم جو بايدن مثلما التهمت نابليون بونابرت وأدولف هتلر” .
الى ذلك، كانت رؤية شي جين بينغ، بأثقاله الايديولوجية، تتمحور حول غزو العالم لا بالأساطيل، وانما بالمنتجات وبالاستثمارات (أصابع حريرية على طريق الحرير). ما حدث في الشرق الأوروبي هز الشرق الآسيوي. مثلما تعثرت الخطة الأميركية بجر القيصر الى غوانتنامو، تبدو حائرة حول كيفية التعاطي مع التنين بعدما فوجئت به وهو يرتدي الثياب المرقطة .
بعد تلك المدة، وحيث لا مجال لشلالات المال التي أنفقت في حربي أفغانستان والعراق ( 3 تريليونات دولار) وأدت الى أزمة عام 2008، يرى بعض أصحاب الرؤوس الباردة “أننا ارتكبنا حماقة حين اعتقدنا أننا سنهزم في أشهر روسيا في عقر دارها، بالرغم من خسائرها الهائلة . الحماقة الأخرى أننا نبهنا الصينيين ألاّ اقتصاد يغزو العالم دون رديف عسكري . وهذا ما فعلناه منذ اندلاع الحرب الباردة” (بول كروغمان ـ نوبل في الاقتصاد).
اقرار بأن الكرملين، ابان العهد السوفياتي، هو من تولى تحديث أوكرانيا، ولكن ليأكلها الفساد عقب الانفصال (او الاستقلال). المحطة النووية في زابوروجيا مثالاً . كذلك الموانئ الاستراتيجية على ضفاف البحر الأسود، كل هذا مهدد بالخراب. قد لا يبقى من أوكرانيا سوى فولوديمير زيلينسكي الذي ما انفك ينفخ صدره فيما قدماه عالقتان في الركام .
المشهد تغيّر كثيراً على الأرض. الأطلسيون اختبروا كل أسلحتهم ـ ما عدا القاذفات ـ الروس فعلوا ذلك، بموازاة جهود أسطورية لصناعة أسلحة فاجأت البنتاغون.
أي عالم اذا خرجت الولايات المتحدة من أوكرانيا ؟ اسألوا الصينيين الذين (وكما تقول احدى مأثوراتهم) ينتظرون جثة الكاوبوي على ضفة النهر!!
Discussion about this post