نبيه البرجي
من البديهي أن يفكر الأمير محمد بن سلمان، لدى توليه العرش، بزعامة العالم العربي، حتى وان وصف محمد حسنين هيكل هذا العالم بـ”حجارة الشطرنج المحطمة”، ليضيف، لدى استعادة بعض الذكريات حول جمال عبد الناصر، ان من يقود هذه الأمة ينتهي بين الراحتين … راحة اليأس وراحة الموت !
ولي العهد السعودي يمتلك كل الامكانات ليتطلع الى ذلك الدور: شخصية كاريزماتية (تغييرية أو نهضوية)، موارد مادية هائلة، علاقات استراتيجية مع القوى العظمى، ناهيك عن وجود الكعبة على أرضه، وحيث تتقاطع دينامية الايديولوجيا مع دينامية التاريخ. لكن التجربة أثبتت أن الزعامة تفترض الدخول من البوابة الفلسطينية.
من هنا المعلومات التي تتردد، لدى الأوساط الديبلوماسية والاعلامية الخليجية، عن اتصالات بين واشنطن والرياض حول استحالة بقاء الوضع الفلسطيني داخل الدوامة الدموية. اللحظة الدراماتيكية في تلك الاتصالات كانت بقبول الأمير السعودي التطببيع مع اسرائيل، ولكن ليس على أساس الطرح الأميركي (عدم الحاق الضفة باسرائيل)، وانما بموافقة حكومة بنيامين نتنياهو على قيام الدولة الفلسطينية في مدة محددة.
وبحسب الأوساط اياها فان جو بايدن، الذي يدرك مدى تأثير اللوبي اليهودي في السباق الى البيت الأبيض، لمس من شخصيات يهودية أميركية خشيتها من بقاء اسرائيل في عنق الزجاجة بسبب السياسات التي ينتهجها الائتلاف الحالي. لذلك يحاول اختراق المشهد بعملية ديبلوماسية خارقة، معتبراً أن التاريخ يمكن أن يكرر نفسه (ولكن ليس على شكل مهزلة كما قال كارل ماركس)، اذ من كان يتوقع أن يوقع مناحيم بيغن (نبي اليمين) معاهدة سلام مع مصر تعيد لها شبه جزيرة سيناء ؟
لكن صحراء سيناء ليست الضفة الغربية . الاسرائيليون يرون في “يهودا” و”السامرة” جزءاً من أرض الميعاد، وهي الطريق الى الضفة الشرقية كوطن بديل محتمل للفلسطينيين، وان تعددت الآراء حول هذه المسألة.
ويتردد أنه كدفع الاستراتيجي للعملية الديبلوماسية، تلك الخطوات الميدانية التي اتخذتها ادارة بايدن، والتي بدت كما لو أنها “اعادة احتلال الشرق الأوسط” طائرات فائقة التطور، وقطع بحرية مزودة برؤوس نووية، على مقربة من مضيق هرمز، لترويع الصقور في ايران (فوكس نيوز تصفهم بالغربان)، كونهم يقفون حجر عثرة في وجه السلام الأبدي في المنطقة . متى كان الأميركيون على ذلك المستوى من القداسة أو من الطوباوية؟
لكن واشنطن هي من تعزز مواقف الصقور، بعدما لامست ايران القنبلة النووية، وبعدما حققت انجازات بالغة الأهمية على صعيد التكنولوجيا العسكرية، ما يشكل قلقاً حقيقياً لدى المخططين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة.
في هذه الحال، وفي ظل التصعيد الأميركي الى حد نشر عسكريين على متن ناقلات النفط (البروباغندا الأميركية)، يبدو أن المنطقة التي عرفت بعض الهدوء الملتبس، على عتبة سلسلة أخرى من المصائب، بعدما استبشرنا باتفاق بكين بين الرياض وطهران، وبالانفتاح السعودي على سوريا، والذي من الواضح أنه في حالة من التعثر …
انه المفترق. المشهد بحاجة الى مستوى عال (عال جداً) من العقلانية للحيلولة دون انفجار الاتفاق على وقع النزاع بين السعودية والكويت من جهة وايران من جهة أخرى، حول حقل الغاز العملاق (الدرة أو آرش لدى الايرانييين).
واذ يبدو من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، التوصل الى حل للمسالة، هل يبادر شي جين بينغ لحماية الاتفاق الذي رعاه شخصياً، وأخذ شكل “الحدث التاريخي” بعدما أحدث تردي العلاقات السعودية ـ الايرانية، وعلى مدى سنوات، الى تداعيات خطيرة في عدد من البلدان العربية.
اذا لم يحدث ذلك، يمكن للمشهد الاقليمي أن يعود الى نقطة الصفر، أو ما دون الصفر، لتزداد الأوضاع فوضوية وضياعاً ان في لبنان، أو في سوريا، ناهيك عن العراق واليمن.
الصقور (أم الغربان ؟) هم الذين يشقون الطريق الى الأزمات الكبرى، كما يصنعون المصائب الكبرى . بالتالي تكريس الشرق الأوسط كـ”مستوطنة أميركية”. لمصلحة من أن يحدث ذلك؟ على أمل ألاّ تكون لحظة المفترق … لحظة الافتراق!
Discussion about this post