لم يتحدد بعد موعد انعقاد مؤتمر السلام لإنهاء الحرب الأوكرانية، او تجميدها، الذي من المقرر ان تستضيفه المملكة العربية السعودية، ولكن حالة الاستعجال التي تطل برأسها بقوة هذه الأيام، خاصة من أمريكا ودول أوروبية، ويتحدث عنها بعض المسؤولين في الغرب همسا، توحي ان هذا المؤتمر قد ينعقد في غضون أسبوعين، وما يجعلنا نقول ذلك وجود شبه اجماع في أوروبا وامريكا على فشل فاضح للهجوم الاوكراني المضاد الامر الذي يتطلب البحث عن مخارج من هذه الحرب تقليصا للخسائر.
لا نستبعد ان يكون الهدف الرئيسي من زيارة جيك سوليفان مستشار الامن القومي الأمريكي للرياض، واللقاء المغلق الذي عقده مع الأمير محمد بن سلمان كان بهدف تسريع إنعقاد هذا المؤتمر، وان كل ما قيل عن تركيزه على مسألة تطبيع العلاقات بين الرياض وتل ابيب ربما كان تمويها لإخفاء الهدف الحقيقي، أي إيجاد مخارج لأمريكا وحلفائها من الحرب الأوكرانية عبر البوابة السعودية “المحايدة”.
***
هناك سبعة مؤشرات مهمة تؤكد هذا التوجه الأمريكي الغربي الباحث عن صيغة لإنقاذ ماء الوجه، والخروج بسرعة من الحرب الاوكرانية قبل مجيء موسم الشتاء:
الأول: تراجع بحضور فلوديمير زيلينسكي الرئيس الاوكراني في المحافل الدولية، وفتور الاهتمام به، بل وتوجيه حزمة من الانتقادات له وغطرسته، فأين زيلينسكي اليوم بالمقارنة لما كان عليه في بداية الحرب؟ ولن نفاجأ بإختفائه كليا من مسرح الأحداث.
الثاني: تأكيد صحيفة “بوليتيكو” الامريكية المعروفة ان الدول الغربية الداعمة لاوكرانيا أصيبت بخيبة امل شديدة بسبب فشل الهجوم الاوكراني المضاد، وان مكاسب الجيش الاوكراني على الجبهة الشرقية لم تزد عن التقدم لبضعة أمتار فقط.
الثالث: تحذير العقيد لورانس ويلكرسون مدير مكتب كولن بأول وزير الخارجية الأمريكي السابق بأن أوكرانيا قد تخسر اوديسا الاستراتيجية قريبا جدا بعد فشل هجومها المضاد، وتكبدها خسائر كبيرة.
الرابع: سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي حدد هذه الخسائر التي تكبدها الجيش الاوكراني منذ بدء الهجوم المضاد كالتالي: مقتل 25 ألف جندي وضابط، وتدمير 3 الآف وحدة عسكرية ثقيلة من بينها 1244 آلية مدرعة، 17 دبابة من نوع ليوبارد الألمانية الصنع، 15 دبابة من طراز برادلي الامريكية، و5 دبابات فرنسية “ايه ام اكس”.
الخامس: كشف صحيفة “الغارديان” البريطانية ان قائد الجيش الاوكراني فاليري زالوجني فوجئ برضوخ زيلينسكي للضغوط الامريكية الأوروبية للاستعجال ببدء الهجوم المضاد رغم ان قواته لم تكن مؤهلة وجاهزة له.
السادس: انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود كرد اولي على الهجوم المضاد كان “ضربة معلم” وخرجت بسبب انسحابها هذا المستفيد الأكبر، لأنه أدى الى جعلها الوحيدة تقريبا المصدرة للحبوب، ودعم خزينتها بمليارات الدولارات الإضافية من جراء ارتفاع أسعارها، والحد من قدرة الحبوب الأوكرانية في التواجد في الأسواق العالمية، وانهاء منافستها تقريبا.
السابع: قوات فاغنر بدأت تتحشد على الحدود البولندية الشرقية مع بيلاروس، استعدادا لعمليات عسكرية في العمق البولندي، واتهمت طائرات مروحية بيلاروسية بإختراق أجوائها، مما يعني ان بوتين سينقل الحرب الى بولندا التي تعتبر رأس الحرب لأمريكا في الحرب الأوكرانية.
***
لجوء زيلينسكي الى حركات استعراضية مسرحية مثل ارسال طائرة مسيرة الى موسكو، وجرى اسقاطها جميعا لتحقيق اهداف نفسية، لن يخفي فشله وهجومه المضاد في هذه الحرب، وسيجبره على التخلي عن غطرسته، والسعي مكرها للدخول في مفاوضات مع الخصم الروسي، والتخلي بالتالي عن معظم، ان لم يكن جميع شروطه المسبقة، وأبرزها الانسحاب الروسي الكامل من الأقاليم الخمسة في شرق البلاد، والانضمام لحلف الناتو فالضغوط الغربية تتصاعد بشكل لافت في هذا الصدد، ولن يستطيع مقاومتها.
فعندما يبرر زيلينسكي فشل الهجوم المضاد بالقول ان “الطقس لم يكن ملائما” فهذا يعني بداية الاستسلام، فاذا كان طقس الصيف الرائع والجاف في أوروبا الشمالية غير ملائم، فكيف سيكون الحال في موسم الشتاء حيث الثلوج والعواصف وانعدام شبه كامل للوقود والكهرباء؟
السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيقدم مؤتمر السعودية حول أوكرانيا طوق النجاة لزيلينسكي وحلفائه في أمريكا والغرب، ويقلص من خسائرهم ويوفر لهم جميعا مخرجا، وان كان غير مشرف، من الحرب الأوكرانية؟
الجواب: لا نستبعد ذلك، والكتابة واضحة على حائط الأحداث.. والأيام بيننا.
Discussion about this post