تزداد أزمة المياه والتصحر في العراق مع مرور الأيام، إذ وصلت مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا إلى مستويات غير مسبوقة، وتجري بغداد وأنقرة مباحثات للحصول على مزيد من الإطلاقات المائية وتوقيع اتفاقات تضمن استمرار تدفق كميات المياه بصورة منتظمة.
هل توافق تركيا على المطالب العراقية وتفتح الباب أمام المزيد من الإطلاقات المائية في نهري دجلة والفرات، أم أن تركيا تطمح لتحقيق شراكة مستدامة تخدم مصالح الطرفين؟
بداية يقول عبد الملك الحسيني، المحلل السياسي العراقي، إن الخلافات بين العراق وتركيا حول ملف المياه ليست وليدة اللحظة، بل مضى عليها عقود من الزمن ومنذ تسعينيات القرن الماضي.
قضية فنية
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”: “بما أن العلاقة بينهما تتجه نحو الاستقرار نوعًا ما في المسائل المتعلقة بالتعاون الأمني والتجاري والنفطي، كانت تبرز بين فترة وأخرى مشكلة مياه نهري دجلة والفرات لتعكر صفو العلاقات بين البلدين، وهذا الأمر يعود إلى مفهوم تركيا لقضية المياه والأنهار التي تنبع من أراضيها فهي تطلق عليها مصطلح الأنهار العابرة للحدود بدل من مصطلح الأنهر الدولية، وترى أنه لا تنطبق عليهما أحكام القانون الدولي للمياه، ومن حقها التصرف بها وإقامة المشاريع عليها وربما تغيير مسارها، وفق مبدأ السيادة المطلقة، شأنها شأن النفط في أي بلد”.
وتابع الحسيني، قائلا: “فلسفة تركيا في طريقة التعامل مع ملف المياه تستند بالدرجة الأساسية على قضية فنية جعلتها محورا رئيسيا للتعاون في مجال المياه، تتضمن طبيعة الإستغلال بما يلبي الحاجة الفعلية للبلدان التي تستقبل المياه المتدفقة من تركيا، وكذلك كميات الهدر الحاصلة في الاستخدام، وعلى هذا الأساس يتم وضع السياسات اللازمة لذلك”.
وتابع المحلل السياسي، لا ننسى تصريح رئيس الحكومة التركية الأسبق، سليمان ديميريل، في يونيو 1990، والذي قال فيه إن “لتركيا حق السيادة على مواردها المائية، ولا يجب أن تخلق السدود التي تبنيها على نهري دجلة والفرات أي مشكلة دولية، ويجب أن يدرك الجميع أن نهري دجلة والفرات ليسا من الأنهار الدولية، وإنما من الأنهار التركية حتى النقطة التي يغادران فيها الإقليم التركي”.
وأشار الحسيني، إلى أن الحكومات العراقية المتعاقبة،خصوصا بعد عام 2003، لم تبذل جهدا حقيقيا في استثمار الموارد المائية، خصوصا في مجالي القطاع الزراعي وإنتاج الطاقة، وتتهم تركيا العراق بهدر مياه دجلة والفرات دون الاستفادة منها لتتركها تذهب إلى الخليج العربي.
تعاون مشترك
ويرى المحلل السياسي، أن أنقرة تبحث عن توقيع اتفاق بينها وبين بغداد على أساسه يتم حل مشكلة المياه، يتضمن إنشاء عدد من المشاريع الإروائية العملاقة التي تغذي مساحات واسعة في مختلف مناطق العراق، والتي تمر عبرها مياه الرافدين، بما يضمن الإستغلال الأمثل للمياه وفق جدوى اقتصادية تصب في مصلحة البلدين، بسحب قوله.
ولفت الحسيني، إلى أن العراق أمامه فرصة كبيرة لحل مشكلة المياه مع تركيا عبر بوابة الاستثمار في مجال المنتجات الزراعية والحيوانية والطاقة لتحقيق جدوى اقتصادية مهمة يستفيد منها البلدان، وهذا الاتفاق يعتمد بالدرجة الأساسية على قدرة الحكومة العراقية في إقناع الجانب التركي بذلك.
وتابع الحسيني، إن تركيا التي تعاني اليوم من أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع في مستوى التضخم، تبحث عن سبل ومعالجات لحل هذه الأزمة، وهي على أتم الاستعداد لفتح أفق التعاون مع العراق، هذا البلد الغني بالموارد والثروات وملايين الدونمات من الأراضي الخصبة التي باتت اليوم تعاني من التصحر والجفاف بسبب قلة المياه، على حد قوله.
رسائل إيجابية
من جانبه يقول د.قحطان الخفاجي، نائب رئيس لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات: “لا أعتقد أن الإدارة التركية ترى أن العراق دولة تملك حجما من الضغط عليها للاستجابة إلى إطلاق مزيد من المياه باتجاه العراق في نهري دجلة والفرات”.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”: “ولكن من متابعاتنا الشخصية لتصريحات أردوغان خصوصا بعد الانتخابات الأخيرة وسعيه لإرسال رسائل إيجابية باتجاه المنطقة العربية، أعتقد أنه سوف يبادر هو بذاته لإطلاق نسبة معينة من المياه، ليس استجابة للمطلب العراقي، بقدر ما هو رسالة إيجابية لصالحه ولدعم تحركه في المنطقة من جهة، وتكون أيضا خطوة باتجاه قطع الطريق على المطالبة العراقية بزيادة مناسيب المياه”.
استراتيجية بعيدة
وأشار الخفاجي، إلى أن استراتيجية تركيا البعيدة لا ترى ضرورة أو لا ترى في سلوكها ما يستوجب إطلاقات وفق قواعد أو ضوابط متبادلة، بل وكأنها هبات للعراق.
ويرى الخفاجي، أن تركيا قد تقوم بإطلاق كميات من المياه في نهري دجلة والفرات ليس استجابة لمطالب بغداد، بل إدراك تركيا جيدا لمردود تلك الخطوة على الوضع في العراق والمنطقة العربية بشكل عام.
وأعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، اليوم الخميس، أهم نقاط خطتها لمواجهة ندرة المياه، مؤكدة أنه لن يتم تخصيص حصص مائية جديدة دون استخدام تقنيات الري الحديثة.
وبحسب وكالة الأنباء العراقية “واع”، فقد أشارت الوزارة إلى استخدام الخزين الموجود في بحيرة الثرثار وتعويض النقص في نهر الفرات كبدائل.
كما أعلن معاون المدير العام في الوزارة، غزوان عبد الأمير، عن استمرار نقل المياه في الأنابيب وتبطين القنوات بالكتل الخرسانية أو اللحاف الخرساني للحد من الضياع، وأكد أن الفعاليات مستمرة في إزالة التجاوزات وتطبيق جداول المؤشرات بناءً على المخزون المتاح.
وفي وقت سابق، أكد السفير العراقي لدى أنقرة، ماجد اللجماوي، استمرار المباحثات مع الجانب التركي بشأن الحصة المائية لبلاده.
ونقلت قناة “السومرية نيوز”، عن بيان لوزارة الخارجية العراقية، أن سفير بلادها لدى أنقرة، التقى بوزير الموارد المائية العراقي، عون ذياب عبد الله، موضحا أن الطرفين، العراقي والتركي، مستمران في إجراء مباحثات ثنائية بشأن حصة العراق المائية.
وأشار بيان الخارجية العراقية إلى أن، ماجد اللجماوي، ناقش مع الوزير ذياب عبدالله، الجهود الدبلوماسية واللقاءات الثنائية بين العراق وتركيا، وبحث معه آخر المستجدات الخاصة بملف المياه والإيرادات المائية لنهري دجلة والفرات.
ومن ناحيته، لفت وزير الموارد المائية العراقي إلى أهمية استمرار الجهود الدبلوماسية لتحصيل حقوق بلاده المائية، مشيرا إلى أن جهود الوزارة مستمرة لضمان الحصول على حصة عادلة رغم الشح المائي الذي يمر به العراق.
وكان مدير عام الهيئة العامة لمشاريع الري والاستصلاح والمتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية، خالد شمال، قد أكد، في 25 من شهر يونيو/ حزيران الماضي، أن وفد بلاده موجود في أنقرة، منذ عدة أيام، لمناقشة ملف الإيرادات المائية.
Discussion about this post