نبيه البرجي
أهي ذروة البراغماتية أم ذروة الزبائنية الأميركية، حين تنقل صحيفة «جاكارتا غلوب» عن مصادر واكبت مؤتمر «آسيان» الذي عقد أخيراً في أندونيسيا، أن أنتوني بلينكن «أوحى» لوانغ يي بأن حكومته مستعدة للقبول بعودة تايوان الى الدولة ـ الأم، لقاء تعهد الصين بتقويض نظام كيم جونغ ـ أون وتوحيد شبه الجزيرة الكورية؟
للتو تلاحقت التعليقات حول «المقايضة المجنونة»، أو حول «الصفقة المجنونة». هؤلاء هم الأميركيون. ولكن هل يمكن لأي صفقة وقف الصراعات حول قيادة الكرة الأرضية، بعدما قالت «الواشنطن بوست» ان ما يجمع الأمبراطوريتين، اللتين تختلفان كلياً في النظرة الى مستقبل العالم، كلمة واحدة ومتفجرة هي… الشك؟
نستذكر نظرية صويل هانتنغتون المثيرة للجدل حول «صدام الحضارات». الحضارة اليهومسيحية مقابل الحضارة الكونفواسلامية. على مدى أكثر من عقد من الزمان، بقي المفكرون في أرجاء المعمورة، يتساءلون اذا كان المفكر الأميركي يقصد «صدام الديانات» أم «صدام الأمبراطوريات»، حين نكون في زمن تتداخل وتتفاعل فيه الحضارات والثقافات، وصولاً الى التفاعل، وغالباً التفاعل الفوضوي بين الأسواق…
المعلقون الصينيون دأبوا على وصف الديبلوماسية الأميركية، وحتى السياسات الأميركية، بالسياسات الملتبسة، الى حد القول «أحياناً يجعلك الأميركيون تشعر كما لو أنهم يتحدثون مع الآخرين بلغة كوكب آخر». في كل الأحوال، خبراء في وكالة ناسا شرعوا في الكتابة عن الاستعداد للهجرة الى المريخ، وعبر القطارات الاشعاعية، قبل انتهاء القرن الحالي.
حتى اللحظة، كل المحادثات تقريباً تتمحور حول طريقة ادارة التوتر، لا رغبة لدى الطرفين بالصدام، وان كان الصقور في كل من واشنطن وبكين، وهم مؤثرون جداً في صياغة السياسات، يرون في أي صفقة استراتيجية بين البلدين صفقة مستحيلة. وكانت دورية الـ»فورين آفيرز» قد نشرت مقالة افتتاحية اعتبرت فيه أن التخلي عن تايوان اذ يعني وضع اليابان «في مرمى الكراهية الصينية»، دون استبعاد نشوب حرب كاسحة، لا بد أن يؤدي الى خسارة البلدان الحليفة في الشرق الآسيوي، لا سيما كوريا الجنوبية والفيليبين وتايلند وفيتنام…
الصينيون بدورهم، لا يثقون بالأميركيين. هم يستخدمون بيونغ بانغ كمخلب حديدي، أو كمخلب نووي، في وجه الولايات المتحدة التي عقدتها التاريخية، ومنذ تفكك الاتحاد السوفياتي، قطع الطريق على أي أمبراطورية أخرى، والمشاركة في ادارة العالم.
نعلم أن هنري كيسنجر الذي لا يزال بعقله المتقد، رغم بلوغه المائة عام، هو من فتح بـ»ديبلوماسية البينغ بونغ» بوابة الصين (البوابة المحرمة) أمام ريتشارد نيكسون للالتقاء في ذروة الحرب الباردة مع ماوتسي تونغ. الآن يحذر من أن الرهان على تفكك الاتحاد الروسي (وعبر الحرب الأوكرانية)، لا يعني أن أميركا ستضع يدها على سيبيريا (13.1 مليون كيلومتر مربع) التي تشاطئ مضيق بيرنغ. الصين «ستسبقنا الى هناك، ولا أتصور أنها ستقيم المنتجعات السياحية لا القواعد العسكرية» .
هكذا يبدو المشهد ضبابياً، ان لم يكن سريالياً. المؤرخ الأميركي اريك فولر يصف العلاقات بين الأمبراطوريتين بـ»العلاقات الميتولوجية»، مستعيداً ما كتب حول صراع الآلهة في الميتولوجيات القديمة، وبصورة خاصة الميتولوجيا الاغريقية .
غالباً ما كان صراع الآلهة مدمراً للجميع. لا شيء تغيّر عبر الأزمنة. لا الأميركيون يستطيعون اعادة التنين الى القمقم، بعدما تمكن من التسلل وعبر سائر الخطوط الأخرى الى شتى أرجاء الدنيا. ولا الصينيون يستطيعون اقفال المحيط الهندي في وجه الأميركيين الذين يرون في دول مثل اليابان أو مثل الفيليبين، خط الدفاع الأول عن أمنهم الاستراتيجي، حتى اذا سقط هذا الخط تمكن الصينيون باحذيتهم المجنحة، من الوصول الى لوس أنجلس وسان فرنسيسكو سيراً على الأقدام.
هذا، في نظر مخططين أميركيين، ممكن جداً اذا لم يجر الحد من الايقاع الأمبراطوري للصين. ما الحل؟ اسألوا آلهة الإغريق…
Discussion about this post