أكدت مجريات الحرب السورية الأهمية الجيواقتصادية لطريق حلب –اللاذقية أو ما يسمى طريق M4 الذي كانت دمشق تسعى تنفيذه تحقيقاً لأهداف اقتصادية كتخفيض تكاليف الإنتاج والتصدير، وتسهيل حركة الترانزيت والتنقّل بين المحافظات الشمالية والشرقية وبين الساحل السوري
وحسب صحيفة الأخبار اللبنانية فقد تحوّل طريق حلب – اللاذقية، والمعروف اختصاراً بـ«M4»، إلى واحدة من نقاط العلام الأساسية في الحرب السورية. فالطريق الذي لم يكد يتمّ الانتهاء من تنفيذه في عام 2013 وفقاً لمدّة تنفيذه التعاقدية، حتى تسعّرت الحرب، شكّل هدفاً استراتيجياً للفصائل المسلّحة في الشمال، والمدعومة إقليمياً، وذلك في إطار سياسة تقطيع أوصال البلاد وعزل المدن والمناطق عن بعضها البعض
وفي عامَي 2018 و2019، بات الطريق المذكور أحد أهداف العملية السياسية المنبثقة عن اجتماعات «أستانا» واللقاءات الروسية – التركية. فقد خلصت القمّة الروسية – التركية المنعقدة في مدينة سوتشي في عام 2018، إلى اتفاق يضمن إعادة فتح الطريق أمام تجارة الترانزيت، وهو ما لم يتحقّق حتى الآن.
وحسب الصحيفة يقول مستشار وزير النقل، عمار كمال الدين، أن الطريق «عبارة عن أوتوستراد حر يبلغ طوله حوالي 98 كلم، ويبدأ من عقدة البصة على أوتوستراد اللاذقية – طرطوس حتى أريحا». ويوضح كمال الدين، في حديث إلى «الأخبار»، أن «حوالي 55 كلم من تلك المساحة تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية»، مضيفاً إن «الطريق يشمل حوالي 90 جسراً، 117 عبارة صندوقية، 284 عبارة قسطلية، فيما 66 كلم عبارة عن طرق تخديم». ويبيّن أنه «تمّ تنفيذ المشروع بموجب عقد وملاحق عقود أبرمت مع شركة عبد المحسن الخرافي بقيمة تقريبية تبلغ حوالي 15 مليار ليرة سورية (ما يقرب من 300 مليون دولار وفق سعر الصرف السائد قبل الحرب)، وبمدّة تنفيذ تصل إلى حوالي 12 عاماً تبدأ من العام 2001. وقد جرى تأمين تمويل المشروع من ثلاثة مصادر رئيسيّة هي: تمويل سوري محلي، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية».
وعلى ذلك، فإن «M4» يُعدّ حلقة وصل مباشرة بين المجتمعات الصناعية الموجودة في مدينة حلب وبين موانئ الساحل السوري، إضافة إلى إسهامه في تحسين كفاءة المرور بين اللاذقية وحلب كون الطريق القديم الذي يربط المحافظتَين يمرّ ضمن مناطق ذات تضاريس جغرافية قاسية وفيه الكثير من المنعطفات الخطرة. كما أن مرور الطريق الجديد ضمن العديد من التجمّعات السكنية كالبصة، الشير، قرى الحفة، كفرية، كنسبا، بداما، أورم الجوز، وغيرها، كان من شأنه أن ينعكس إيجاباً على هذه التجمّعات السكانية تنموياً واقتصادياً، وخاصة أنه يؤمّن حركة الترانزيت المتّجهة من موانئ الساحل السورية إلى دول المنطقة وتحديداً العراق.
وفي هذا السياق، يشير الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة حلب، حسن حزوري، إلى أن «أهمية الطريق الدولي M4، تكمن في بعده الحيوي الذي يربط المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية (منطقة شرق الفرات الغنية بالنفط والغاز والحبوب) ببقية المناطق الغربية أو الساحلية والغربية الجنوبية. أمّا بخصوص أهميته الاقتصادية بالنسبة إلى محافظة حلب ومدينتها بشكل خاص، فكما هو معلوم، فإن حلب تُعدّ عاصمة الاقتصاد السوري، فهي مثلاً كانت تساهم بنسبة 24% من الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد وفقاً لتقديرات العام 2010»
ويحدّد حزوري، في حديثه إلى «الأخبار»، فائدتين اقتصاديتين مباشرتين لـ«M4»: «الأولى أن ميناء اللاذقية هو الميناء الأساسي الذي تَستورد منه المصانع الحلبية معظم المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج والمواد نصف المصنَّعة اللازمة للصناعات التحويلية السورية بمختلف أنواعها، في المقابل، فإن ميناء اللاذقية يمثّل بوابة التصدير الرئيسيّة للمنتجات الصناعية التي تنتجها الشركات الحلبية وتصدّرها باتجاه الدول الأوروبية ومصر ودول المغرب الغربي. ثمّ جاءت الحرب ونتائجها لتلقي بظلالها السلبية على جميع النشاطات الاقتصادية في مدينة حلب صناعياً وسياحياً، نتيجة إغلاق M4، وفقدان اللاذقية كميناء للاستيراد والتصدير، والانتقال إلى استخدام طريق M5 عبر حماه وحمص وطرطوس ومن ثمّ اللاذقية، ما زاد من تكاليف النقل والانتقال. أمّا الفائدة الثانية، فهي تكمن في أن محافظة اللاذقية وساحلها البحري ومناطقها، هي المقصد الأساسي لأبناء حلب لقضاء إجازاتهم السياحية صيفاً وشتاءً وربيعاً وخريفاً، نظراً إلى قرب المسافة بين المدينتين (180 كلم تقريباً)، حيث كان زمن الرحلة لا يستغرق أكثر من 3 ساعات عبر M4، بينما حالياً لا يمكن الوصول إلى اللاذقية بأقلّ من 5 ساعات».
Discussion about this post