شبكة أخبار سوريا والعالم worldnews-sy.net
قبل أكثر من قرن، تحولت دمشق إلى وجهة لآلاف اللاجئين القادمين من مناطق شهدت حروبًا ونزاعات في البلقان والأناضول، فأسسوا حيًّا جديدًا شمال المدينة حمل اسم “المهاجرين”، لا صفة “اللاجئين”. واليوم، يُعد حي المهاجرين واحدًا من أرقى مناطق العاصمة السورية، بمنازل تُباع بمئات آلاف الدولارات، وبتاريخ عمراني واجتماعي مميز يعكس قصة تعايش واندماج نادرة.
من أراضٍ جرداء إلى عقارات بملايين الليرات
تشير أحدث البيانات العقارية إلى أن أسعار العقارات في حي المهاجرين تشهد ارتفاعًا كبيرًا، حيث يُعرض منزل مستقل للبيع بسعر يصل إلى 600 ألف دولار، فيما تُعرض شقة أخرى بنحو 850 مليون ليرة سورية (ما يعادل تقريبًا 85 ألف دولار)، بحسب استطلاعات ميدانية أجرتها إرم نيوز في عدد من مكاتب العقارات في دمشق.
لكن ما يجعل هذا التحول لافتًا، هو أن الأراضي التي بُني عليها الحي كانت قبل قرن من الزمن تُباع بسعر زهيد للغاية، بلغ آنذاك متليكا واحدًا للمتر المربع، وهي عملة عثمانية كانت في أدنى مستوياتها من حيث القيمة.
من دون خيام… اللاجئون بنوا الحي بالحجر
خلافًا للصور النمطية عن تجمعات اللاجئين، جاء تأسيس حي المهاجرين بشكل مختلف تمامًا. فقد بنى اللاجئون، ومعهم عدد من الدمشقيين، منازل بالحجر على سفوح جبل قاسيون، دون اللجوء إلى خيام مؤقتة. وتوافد السكان تدريجيًا إلى المنطقة بعد جر مياه نبع الفيجة الشهير إليها، ما عزز جاذبيتها وأدى إلى توسعها صعودًا نحو الجبل.
تعود بدايات الحي إلى أواخر القرن التاسع عشر، مع نزوح جماعات شركسية وتركية وسكان من جزيرة كريت، نتيجة تدهور الإمبراطورية العثمانية، والحروب التي شهدتها منطقة البلقان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
ناظم باشا… الوالي الذي مهّد لتأسيس حي المهاجرين
يشير المؤرخ السوري علي الطنطاوي في كتابه “دمشق: صور من جمالها وعبر من نضالها”، إلى أن الفضل في تأسيس الحي يعود إلى ناظم باشا، آخر والي عثماني في دمشق. فقد بنى قصرًا في سفح قاسيون، وشجّع على بيع الأراضي المحيطة به بأسعار رمزية، ووفّر الخدمات الأساسية، بل ومدّ سكة “الترام” للمنطقة.
وكان الوالي حريصًا على استقطاب كبار الموظفين والعائلات الدمشقية للإقامة في الحي، ومنهم الباشكاتب، أحد كبار مسؤولي الدولة العثمانية، والذي لا تزال المنطقة التي سكنها تحمل اسمه حتى اليوم.
كما اختير الحي ليكون موقع استقبال الإمبراطور الألماني غليوم الثاني خلال زيارته إلى دمشق عام 1898، حيث نُصبت فيه منصة لاستعراض الجنود، لا تزال تعرف حتى الآن باسم “المصطبة”.
رمز للتعايش السوري… لاجئون ودمشقيون في حي واحد
يرى الكاتب السوري إبراهيم الجبين أن حي المهاجرين لم يُمنح الاهتمام الكافي رغم كونه نموذجًا نادرًا للتعايش بين سكان دمشق الأصليين والمهاجرين، لافتًا إلى أن الحي احتضن شخصيات بارزة، من بينهم يوسف العظمة، أول وزير حربية في الحكومة السورية بعد الاستقلال عن العثمانيين، والذي استشهد في معركة ميسلون ضد الفرنسيين عام 1920.
ومن بين الوجوه البارزة في العصر الحديث، خرج من الحي أيضًا الفنان الراحل نهاد قلعي، أحد رموز الدراما السورية.
حيّ يجذب المخرجين والفنانين بأصالته المعمارية
بفضل خصوصيته العمرانية، تحول حي المهاجرين إلى موقع مفضل لتصوير المسلسلات والأفلام السورية. فقد احتضنت شوارعه وأدراجه ومنازله ذات الطابع التراثي مشاهد من أعمال شهيرة مثل:
مسلسل “عصي الدمع” من إخراج حاتم علي
فيلم “نسيم الروح” للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد وبطولة بسام كوسا
وتميّز الحي بطراز معماري جلبه المهاجرون معهم من بلادهم الأصلية، وبُني على سفح الجبل بطريقة تناسب التضاريس، باستخدام الأدراج كممرات بين المنازل.
تحديث تدريجي وفتح طرقات مغلقة منذ عقود
مع التحولات السياسية في البلاد بعد عام 2024، بدأ حي المهاجرين يشهد عملية انفتاح عمراني، بعد إزالة حواجز أمنية كانت تقطع أوصاله لعقود. ويتوسع الإقبال على السكن فيه تدريجيًا، تزامنًا مع فتح طرقات فرعية وتحسين الخدمات.
ويشير الكاتب صفوح خير في كتابه “مدينة دمشق: دراسة في جغرافية المدن”، إلى أن الحي بدأ بمنزل وحيد يُعرف باسم “بيت الداغستاني”، الذي بناه أول مهاجر في المنطقة، ليصبح لاحقًا نواة أحد أرقى أحياء دمشق.
إرم نيوز












Discussion about this post